-->
404
نعتذر , لا نستطيع ايجاد الصفحة المطلوبة
  • العودة الى الصفحة الرئيسية
  • mercredi 4 février 2015

    طرق تدبير المرافق العمومية

    طرق تدبير المرافق العمومية

    طرق تدبير المرافق العمومية



    مقدمة
    كان  من الطبيعي  و قد تنوع  نشاط الدولة ،وازداد تدخلها  في مختلف الأنشطة  سعيا وراء إشباع  الحاجات العامة ،أن تتنوع تبعا لذلك وسائل هذا النشاط  المتمثل في المرافق العامة  و أن يستهدف هذا التنوع في المرافق العامة الاستجابة بشكل أكمل  للأغراض العامة التي أنشئت  من أجلها  و الحاجات العامة التي فرض عليها تأمينها و إشباعها  مستخدمة  مختلف الطرق  لتدبير المرافق العامة .
    و لا بد من التذكير بان مفهوم المرفق العام مر بعدة مراحل اكتسى خلالها أهمية كبرى و للإشارة فقط فان مفهوم المرفق العام يستعمل للدلالة على معنيين إحداهما عضوي و الثاني مادي:
     فمن الناحية العضوية و حسب الأستاذ مورو moreau هو المؤيد لهذه النظرية يغرف المرفق العام كمجموعة الوسائل البشرية و المادية التي بواسطتها يؤدي الشخص العام مهمته أما الأستاذ دوكي duguit المقيد بالنظرية المادية عرف المرفق العام كنشاط يجب انجازه و تأمينه و مراقبته من قبل الحكام لان انجاز هذا النشاط يعد ضروريا لتحقيق و تنمية الترابط الاجتماعي.
    و بالإضافة إلى هذا التعريف هناك جانب من الفقه عمل على الجمع بين المفهومين العضوي و المادي للمرافق العامة, وفق هذا المفهوم فان هذه الأخيرة هي مؤسسات تعمل بانتظام و اضطراد تحت إشراف و مراقبة الدولة بهدف أداء خدمة عامة للمواطنين مع خضوعها لنظام قانوني معين.

     و قد أدى تطور مفاهيم المرفق العام إلى تعدد و تنوع أساليب إدارته و تدبيره و على غرار معظم الدول التي  أخذت  بتنوع و طرق إدارة  المرافق العامة  سعيا وراء  إشباع الحاجات  العامة ،أخذ المغرب  بدوره  و كنظيره  الفرنسي لمذهب التعدد  في الأساليب القانونية  لتدبير المرافق ، إذ لا يوجد في المغرب  أسلوب واحد  لتدبير هذه المرافق ، و إنما هناك تنوع في أساليب  و طرق تدبيرها  و هذا يعود بالأساس إلى الأهمية  البالغة  التي يكتسيها هذا الموضوع.
     فاختيار المشرع لأسلوب الاستغلال المباشر أو الوكالة المباشرة كان بمثابة خطوة أولى في مسلسل تدبير المرافق العمومية نظرا لكونه الأسلوب الموروث عن نظام الدولة بالمغرب منذ القدم وباعتباره أيضا الوسيلة الفعالة لكي تتولى الدولة بنفسها وظيفة الإشراف و التدبير.
    و اختيار المشرع لأسلوب المؤسسة العامة إنما يرجع إلى أنها الشخص القانوني الوحيد من أشخاص القانون العام الذين يسمح لهم بممارسة نشاط عام على نحو مستقل عن الجهاز الإداري للدولة مع إمكانية تحريره من مساوئ الروتين الإداري.
             أما اختيار أسلوب الامتياز فقد لجأت  إليه الدولة  لاقتناعها بصلاحية الوسائل الرأسمالية الخاصة في تدبير المرافق العامة ، إذ لابد للدولة حيث تمارس الإنتاج و التداول و الخدمات أن تأخذ بالأساليب السائدة في القطاع الخاص .
             واختيار أسلوب المقاولة العامة من خلال أسلوبي الشركة العامة ذات الرأسمال العام  و شركة ألاقتصاد المختلط           يعود لما لهذه الطريقة  من محاسن  في إدارة  المرافق العامة ، و كوسيلة بالنهوض بالتنمية الاقتصادية .
    و كان  اللجوء إلى أسلوب  الهيئات و النقابات  المهنية ، و سيلة لإدارة  مرفق معين  من لدن الممارسين  لذلك المرفق أو المهنة ، و لتستفيد هذه الهيئات من امتيازات السلطة العامة .
    ويأتي تطبيق أسلوب التدبير المفوض في سياق الانحياز القوي إلى تفضيل الأساليب الخاصة لتدبير المرافق العامة الجماعية ، باعتبار أن أسلوب التدبير المفوض  من حيث الإمكانيات  التي يتضمنها  يعد بديلا غير مباشرا  لسياسة الخوصصة.
    و كان اللجوء إلى أسلوب التدبير المستقل في أواخر القرن الماضي إلى كونه أسلوب يسمح لبعض المرافق العامة أن تتمتع بنوع من الاستقلال الذاتي في تدبير مهامها و نشاطها.
    و يمكن القول كذلك أن تنوع أساليب إدارة المرافق العامة بالمغرب راجع إلى ما يلي:
    ·       هناك مرافق عامة تتطلب في إدارتها نهج طريقة مباشرة من جانب الأشخاص العامة وحدها.
    ·       هناك مرافق عامة تسمح طبيعتها بان تعهد الدولة إلى الأشخاص الخاصة بإدارتها.
    ·       هناك مرافق عامة تسمح طبيعتها بان تتم إدارتها بطريقة مشتركة بين الأشخاص العامة و الأشخاص الخاصة.
    انطلاقا من هذه الأفكار التمهيدية هل يمكننا القول بان اعتماد المغرب على النهج الفرنسي في خلق و تطوير الأساليب الحديثة لإدارة المرفق العام كفيل بتحريك عجلة التنمية و تحقيق المصلحة العامة أم أن الحاجة إلى التنمية تتطلب البحث أو حتى الاستغناء عن بعض هذه الأساليب؟                           
    و للتركيز و التعرف أكثر على هذا الموضوع  لا بد من الإحاطة بالمفاهيم و الأشكال و الخصوصيات المميزة لكل أسلوب من أساليب إدارة المرافق العمومية كل على حدا، و سنحاول من خلال هذا العرض إرضاء فضولكم العلمي و طبعا مع منح الأهمية للنموذج الفرنسي الذي يعد الرائد في هذا المجال.
    و من هذا المنطلق ارتأينا تقسيم مضمون هذا العرض كالتالي:

    §       مقدمة.
    المبحث الأول : الطرق العامة لإدارة المرافق العمومية في النموذجين المغربي و الفرنسي.
    §       المطلب الأول : الاستغلال المباشر أو الوكالة المباشرة. La Régie Direct
    §       المطلب الثاني : أسلوب المؤسسة العمومية. L’Etablissement public 
    §       المطلب الثالث : أسلوت تدبير مرافق الدولة بصورة مستقلة. SEGMA
    المبحث الثاني : الطرق الخاصة لإدارة المرافق العمومية في النموذجين المغربي و الفرنسي.
    §       المطلب الأول : المقاولة العمومية. L’Entreprise public
    §       المطلب الثاني : أسلوب الامتياز. La Concession
    §       المطلب الثالث : التدبير المفوض.  La Gestion Déléguée
    §       خاتمة.





    المبحث الأول : الطرق العامة لإدارة المرافق العمومية في النموذجين المغربي و الفرنسي.
    إن إدارة المرافق العتمة تكون إما بواسطة الهيئات العمومية مباشرة أو بواسطة الخواص أو باشتراكهما معا و ذلك وفق ما سنلمسه في المطالب الموالية.

    §       المطلب الأول : الاستغلال المباشر أو الوكالة المباشرة:la Régie Direct
    يقصد بهذه الطريقة أن تتولى الدولة أو إحدى هيئاتها العامة بنفسها إدارة مرافق عمومية مباشرة مستخدمة في ذلك موظفيها و أموالها و معتمدة على وسائل و امتيازات القانون العام, و تبعا لذلك فهي تتحمل كامل المسؤولية في حالة وقوع أضرار أو خسائر.
    الفرع الأول: تعريف الاستغلال المباشر.
    إن استعمال مصطلح الاستغلال المباشر la Régie Direct فيه الكثير من الغموض, لان نفس المصطلح لا يعني دائما نفس الحقيقة الإدارية فبالنسبة لبعض الكتاب الاستغلال المباشر يعني تسيير مرفق عمومي من قبل شخص عام كيف ما كان –مجموعة ترابية أو مؤسسة عمومية- فتعريف M.Nicolay (النائب السابق لرئيس مجلس الدولة الفرنسي)
    نموذجي في هذا المجال " انه الشخص العام الذي يدير المرفق سواء قام بذلك هو بنفسه أو من قبل جهاز من أجهزة القانون العام التابع له ". و اعتمادا على ذلك يصبح الاستغلال المباشر مرادفا للتسيير العمومي gestion publique . و على العكس من ذلك فان الأستاذ Benoit يقترح مقتربا آخر : بالنسبة إليه هناك استغلال مباشر عندما يقرر شخص عام أو خاص أن يدير بنفسه المرفق العام الذي يتحمل هو مسؤوليته بدل تكليف شخص آخر . و هذا التوجه يخلط بين المرافق العامة و المؤسسات الخاصة لان المرفق العام يظل تابعا للهيئة العامة التي بادرت بإنشائه, و بالتالي فان الحديث عن الاستغلال المباشر لا يصح إلا إذا تولى الشخص العام تسييره.[1]
    إن طريقة الاستغلال المباشر تلائم المرافق التقليدية بمعنى أنها تظهر بصورة جلية في المرافق ذات الصبغة الإدارية نظرا لطبيعتها و أهميتها , إذ تحرص الدولة على إدارتها بنفسها مباشرة ضمانا لتحقيق المصلحة العامة. فمرافق الأمن و الدفاع مثلا و نظرا لخصوصية الخدمات و الوظائف التي تتكفل بها فلا يمكن تكليف الخواص بها أو حتى إشراكهم في إدارتها. كما أن الأفراد من جهتهم لا يتشجعون على تحمل مسؤولية إدارتها لكون نشاطها غير مألوف عندهم و لا يحقق في غالب الأحيان أرباحا و مكاسب مادية.[2]
    و هذا النوع من طرق تدبير المرافق العمومية قد تلجأ  إليه الجماعات المحلية التي أنيطت بها وظيفة تحقيق التنمية المحلية و أصبحت ملزمة بالتدخل في الكثير من المجالات بما فيها الاقتصادية و أصبحت تدبر بنفسها و مباشرة بعض المشروعات الاقتصادية.

    الفرع الثاني : مجال تطبيق طريقة الاستغلال المباشر.
    إن طريقة الاستغلال المباشر لا يقتصر اعتمادها في إدارة المرافق العمومية الإدارية وحدها, بل تمتد  لتشمل الأنواع الأخرى من المرافق بما فيها المرافق العمومية الاقتصادية مثل البريد و المواصلات السلكية و اللاسلكية سابقا , و لكن فشله في إدارة هذا النوع من المرافق دفعت الكثير من الدول إلى الدول عنه.
    أولا : تطبيق طريقة الاستغلال المباشر على المرافق العمومية الإدارية  (نموذج: وزارة الشؤون الخارجية و التعاون)
    إن هذه الطريقة تجد تطبيقها في مختلف الوزارات سواء التقليدية منها أو الحديثة, و كمثال على ذلك من الناحية الشكلية أي من ناحية التنظيم الإداري , وزارة الخارجية و التعاون التي أنشئت بظهير شريف رقم 2.56.097 صادر بتاريخ 26 ابريل  1956 و هي تخضع حاليا من حيث اختصاصاتها و تنظيمها إلى المرسوم رقم 2.85.611 الصادر في 19 شتنبر 1985[3] الذي يوكل مسالة إعداد و تنفيذ السياسة الحكومية في ميدان العلاقات الخارجية و التعاون إلى وزير الشؤون الخارجية و التعاون.
    و تتشكل هذه الوزارة بالإضافة إلى ديوان الوزير من إدارة مركزية و بعثات دبلوماسية.
    و تضم الإدارة المركزية الكتابة العامة ، المفتشية العامة، مديرية الشؤون القانونية و المعاهدات, المديرية العامة للشؤون السياسية, المديرية العامة للتعاون الدولي،  مديرية الشؤون الإدارية، مديرية الشؤون القنصلية و الاجتماعية، قسم الصحافة و الإعلام و قسم التشريفات.[4]
    و فيما يلي سنتعرض إلى تنظيم المديريات و الأقسام و المصالح المشار إليه أعلاه:
    1.    الكتابة العامة : و يرأسها الكاتب العام، و هي تقوم بالتنسيق بين جميع مصالح الوزارة و تسهر على تطبيق مقررات الوزير.
    2.    المفتشية العامة : يشرف عليها مفتش عام و ثلاثة مفتشين برتبة رئيس قسم و هي تقوم بمهمة التحقيق و التفتيش و مراقبة صرف الاعتمادات... و ذلك تحت سلطة الوزير و بأمر منه.
    3.    مديرية الشؤون القانونية و المعاهدات : و تضم قسم الشؤون القانونية و مصلحة الإجراءات القانونية و مصلحة الدراسات و المنازعات.
    و قسم المعاهدات و يتفرع إلى مصلحة الأوقاف الثنائية و مصلحة الاتفاقيات المتعددة الأطراف. و نجد أيضا قسم الوثائق الدبلوماسية و المستندات.
    4.    المديرية العامة للشؤون السياسية : و تتشكل من :
    -         مديرية الشؤون العربية و الإسلامية.
    -         مديرية الشؤون الإفريقية و الآسيوية.
    -         مديرية الشؤون الأوروبية و الأمريكية.
    -         مديرية المنظمات الدولة.
    5.    المديرية العامة للتعاون الدولي. و تضم :
    -         مديرية التعاون الاقتصادي الثنائي ، و مديرية التعاون الاقتصادي المتعدد الأطراف، مديرية التعاون الثقافي و العلمي و التقني و هذه المديريات هي عبارة عن أقسام و مصالح تباشر مهامها في إطار ربط علاقات التعاون بين مختلف دول العالم، و تعمل أيضا على تطوير هذه الميادين بالاتصال مع البعثات الدبلوماسية و القنصلية و بتنسيق مع المرافق الوزارية المعنية.

    6.    مديرية الشؤون الإدارية : و تتكون من قسم الموظفين و قسم الميزانية و التسيير و التجهيز و قسم المواصلات ، و تتولى هذه المديرية بمعالجة جميع القضايا المتعلقة بالإدارة العامة و الشؤون الإدارية.
    7.    مديرية الشؤون القنصلية و الاجتماعية : طبقا لأحكام المادة 12 من مرسوم 19 شتنبر 1985 فان هذه المديرية تقوم بمعالجة جميع القضايا ذات الطابع القنصلي و الاجتماعي.
    8.    قسم الصحافة و الإعلام.
    9.    قسم التشريفات. و يضم : مصلحة المراسيم ، و مصلحة الأختام و الأوسمة و الاعتمادات ، و مصلحة الامتيازات و الحصانات.
    و من الملاحظ أن الهيكل التنظيمي للمرافق الإدارية التي تدار عن طريق الاستغلال المباشر (وفق ما رأيناه على سبيل المثال في وزارة الشؤون الخارجية و التعاون) يتسم بالتنوع و التعدد و التشعب في الأجهزة الإدارية المسيرة، و انه يتسم بالطابع الإداري و الوظيفة الإدارية في توزيع المهام الموكول إدارتها إلى أطر إدارية يخضعون إلى التدرج الإداري و التسلسل الرئاسي و تخضع هذه الطريقة لقواعد القانون العام كما تخضع لقاعد قانون المالية العامة و لقد ثبت عمليا نجاح طريقة الاستغلال المباشر في إدارة المرافق العامة الإدارية.

    ثانيا : إمكانية تطبيق طريقة الاستغلال المباشر على المرافق الاقتصادية.
    إن كثيرا من الدول استعملت هذه الطريقة كذلك في إدارة بعض المرافق الاقتصادية و ذلك لتحقيق دخل مادي ليس من أجل تحقيق الربح و إنما لسد نفقاتها المتزايدة، و من جهة أخرى للعمل على خفض أثمان بعض المواد و السلع عن طريق منافسة المشروعات الخاصة حتى أطلق عليها بالاشتراكية في البداية (Le Socialisme municipal)   ، و قد سمحت التشريعات في كثير من الدول بها ، ز مثال على ذلك التشريع الايطالي لسنة 1903 كما أن المملكة المتحدة  قد سمحت لبلدياتها باستعمال هذه الطريقة فاستعملتها و على نطاق واسع جدا في إدارة عدد كبير من المرافق العامة التجارية و الصناعية. أما في فرنسا فقد كانت القاعدة العامة التي أقرها القضاء الإداري في ذلك هو عدم جواز قيام البلديات بإنشاء و إدارة المرافق العامة التجارية و الصناعية بطريقة الاستغلال المباشر لأسباب قانونية و اقتصادية.
    1.    الأسباب القانونية :
    ·       مخالفة البلديات لقاعدة التخصص: على أساس أن البلديات تختص بالنشاط الإداري فقط و لا يجوز لها ممارسة نشاط اقتصادي.
    ·       مخالفتها لمبدأ حرية التجارة و الصناعة : و يؤخذ على إدارة الهيئات المحلية للمرافق العامة الصناعية و التجارية عن طريق الاستغلال المباشر أنها تفسد سير المنافسة الحرة لأن المشروعات الخاصة لا تستطيع منافسة المشروعات الحكومية لان هذه الأخيرة تعتمد على سلطاتها و على امكانياتها المادية الهائلة و لقدرتها على سد عجزها عن طريق فرض الضرائب و الرسوم. في حين أن خفض الأسعار بالنسبة للمشروعات الخاصة قد يؤدي بها إلى الإفلاس.
    و إن كان لهذا الرأي حجيته من الناحية النظرية إلا أن الواقع العملي لم يظهر لنا شيئا من ذلك. و كل ما حصل هو انخفاض الأسعار بشكل مكن عامة الأفراد من المنتفعين و المستهلكين من الاستفادة من ذلك و في هذا طبعا تحقيق للمصلحة العامة.
    1.    الأسباب الاقتصادية الفنية :[5]
    إن قيام الأشخاص العامة الإقليمية بإدارة المرافق العمة الاقتصادية عن طريق الاستغلال المباشر يكون على حساب واجبها الأصلي المتعلق بوظيفتها الإدارية، ثم أن إدارتها لهذا النوع من المرافق بهذه الطريقة قد يعضها لخسائر فادحة إما جهلا بكيفية إدارة هذا النشاط و إما نتيجة خفض الأسعار بطريقة لا تقترب من سعر التكلفة فينعكس ذلك على ميزانية البلديات مما يضطرها إلى اللجوء لفرض ضرائب جديدة على السكان.
    و بالرغم من معقولية هذه الأسباب التي استندت إلى قاعدة منع الهيئات المحلية من إدارة المرافق العامة الاقتصادية بطريقة الاستغلال المباشر إلا انه قد لحقت هذه القاعدة استثناءات عديدة، أقرها القضاء الإداري في فرنسا. بعض الاستثناءات تتعلق بالظروف الاستثنائية، و بعضها الأخر يعود إلى القوانين التي أجازت لهذه الهيئات العامة المحلية ممارسة هذا الحق إذا كان يسعى إلى تحقيق النفع العام ، و يشترط الحصول على موافقة السلطة التي تملك حق الوصاية أو الرقابة الإدارية.

    إلا أن الاستناد للاستثناءات و التي بمقتضاها تقرر تطبيقه طريقة الاستغلال المباشر في إدارة المرافق الاقتصادية، لم تدم طويلا ، فانتهى تطبيق تلك الطريقة بانتهاء تلك الاستثناءات. هذا بالإضافة إلى مجموعة من الانتقادات الكثيرة التي تعرضت لها خاصة فيما يتعلق بتطبيق قواعد القانون العام و أيضا تقييدها بأساليب المالية العامة التي تصعب من تقدم و تطور المرفق، و بالتالي و لما كانت هذه الانتقادات تنطوي على قدر كبير من الحقيقة اتجهت الدولة لإيجاد و استخدام طرق أخرى تتناسب مع طبيعة الأنشطة المرفقية إلى جانب هذه الطريقة.
                                                                                                            

    §       المطلب الثاني : أسلوب المؤسسة العمومية.  L’Etablissement public 
          تعد المؤسسة العمومية من بين الأساليب التقليدية التي عرفها التسيير الإداري سواء في المغرب أو فرنسا  و التي تستعملها  الدولة في  الوقت الراهن كوسيلة لتدبير المرافق العامة.

    الفرع الأول: مفهوم المؤسسة العمومية
    عرف الفقه التقليدي المؤسسة العمومية على أنها عبارة عن مرفق عام يدار عن طريق منظمة عامة ، و تتمتع بالشخصية المعنوية مع خضوعها للرقابة الإدارية ، و تختص في أعمال معينة طبقا لقاعدة التخصص الوظيفي ُ . و قد بين الفقيه Valen   بالقول ُ انه كلما وجد مرفق عام يحقق مصالح عامة للسكان  و معترف له بالشخصية المعنوية و جدت المؤسسة العمومية ُ ، انطلاقا من التعريفين السالفين بالذكر يمكن استخلاص أن مفهوم المؤسسة العمومية مرتبط بثلاث عناصر أساسية هي :

    *   الشخصية المعنوية باعتبارها العنصر الذي يسمح  للمؤسسة العمومية بصفة عامة تأكيد كيانها و اثباث وجودها القانوني ..
    *   التخصص : مفاده أن احداثها الغاية منه تدبير و ادارة مرفق عام معين على سبيل الحصر و لايمكن العمل خارج اطاره .
    *   الوصاية : تتمتع المؤسسة العامة باللامركزية الادارية أي بحرية في ادارة ذاتها الا أن هذه الحرية مقيدة بوصاية الدولة و هناك نوعان من الوصاية :

    -         الوصاية الإدارية : التي يتم التنصيص عليها في وثيقة التأسيس هده المؤسسة العمومية التي تمارس عليها وصاية إحدى الوزارات .
    -         الوصاية المالية : تخضع المؤسسة العمومية حسب المادة الأولى من ظهير 14 أبريل 1960 لوصاية وزارة المالية ادا كانت تمتلك الدولة رأسمالها كليا أو جزئيا .

      في حين  يتولى ادارتها مجلس ادارة يترأسه الوزير الاول باستثناء الجامعات فلها مدير قانوني ، و تخضع قراراتها لرقابة القضاء الاداري .
                    في هدا السياق يجب عدم الخلط بين المؤسسات العمومية و المؤسسات دات النفع العام ، فاالتمييز بينهما يؤدي الى رسم الحدود بين الهيئات الادارية و الخاصة بين القانون الاداري و القانون الخاص ، و لهدا الغرص خص الاجتهاد القضائي 4 معايير التمييز لتحديد تعريف محدد للمؤسسة العمومية[6]:
    o      المعيار الاول : ارادة المشرع التي تبقى له الصلاحية الكاملة في تحديد الطبيعة القانونية للتجمعات التي ينشؤها و قد يحصل أن تكون التسمية المعطاة لهيئة معينة غير واضحة عن طريق استعمال مصطلح شركة  كالنموذج الفرنسي : الشركة الوطنية للسكك الحديدية الفرنسية التي تعتبر من حيث طبيعتها القانونية مؤسسة عمومية .
    o      المعيار الثاني : يتجسد في مصدر إنشاء المؤسسة العمومية التي تعود للمشرع أو السلطة التنظيمية[7] .
    o      المعيار الثالث : يمكن تحديده في طبيعة النشاط الذي تمارسه المؤسسة .
    o      المعيار الرابع : امتياز السلطة العامة ، و عليه كلما منح المشرع تجمعا أو هيئة إمكانية استعمال امتيازات السلطة العامة كان بإمكان اعتباره مؤسسة عامة .
                      و من جانب آخر فان مفهوم المؤسسة العمومية يكتنفه الغموض عند الفصل بينها و بين المقاولة العمومية في التشريع المغربي رغم المجهودات الفقهية في هدا المجال. في حين وضع  المرسوم الفرنسي الصادر بتاريخ 22 أكتوبر 1984 دليلا للمقاولات  و المشروعات العامة التي هي في ملكية الدولة بحكم هيمنتها على أغلبية رؤوس أموالها[8] الذي يستخلص منه أن المقاولة العمومية هي كل مشروع متمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي و يكون نشاطه دو صبغة تجارية و صناعية و تتبع في إدارته أساليب شبيهة بقواعد و أحكام القانون الخاص .

    الفرع الثاني: الأشكال القانونية للمؤسسات العمومية في النموذجين المغربي و الفرنسي :
    غلى غرار الأستاذ CHEVALIER  يرى  الأستاذ THERONE   أن استعمال أسلوب المؤسسة العامة في ميادين مختلفة لا يضر بوحدة مفهومه  ، و دلك يعود بالأساس إلى توفر عنصرين قارين هما : التخصص و الاستقلال ، و قد أمكن تقسيمها من حيث النطاق الترابي إلى:

    v   مؤسسات و طنية : و هي التي تمارس نشاطها على مجموع التراب الوطني.
    v   مؤسسات عامة محلية : يتم إنشاؤها بقرار من المجلس المحلي المختص و تمارس نشاطها داخل تراب الجماعة  المحلية التي أنشئت فيها و تنشأ في شكل مجموعات الجماعات المحلية قصد تدبير مرفق ذي منفعة عامة[9]  .
                                كما يمكن تصنيف هده المؤسسات وفق نشاطها على الشكل التالي :
    ü    المؤسسات العامة التجارية : هي التي تمارس نشاطا إداريا محضا و تخضع للقانون العام و لا يطبق عليها القانون الخاص إلا بصفة استثنائية .
    ü    المؤسسة العامة الاقتصادية: الذي كان ظهورها بسبب تدخل الدولة في الميادين الاقتصادية و التجارية.
    ü    المؤسسات العامة الاجتماعية: الأساس الفلسفي في ظهورها هو مبدأ المهن الحرة و يمكن تعريفها بأنها شخص معنوي عام يتكون من مجموع أعضاء مهنة معينة قصد تمثيل هده الأخيرة تحت إشراف هيئة منتخبة.
                           و هده المؤسسة العمومية تخضع لنفس قواعد الإنشاء ، بمعنى أن السلطة التي لها حق إنشاء المؤسسة العمومية هي التي تملك صلاحية إلغائها و بنفس الوسيلة القانونية التي تم بها الإنشاء. [10]

    §       المطلب الثالث : أسلوب تدبير مرافق الدولة بصورة مستقلة . SEGMA

    إن هذا النوع من المرافق ظهرت في المغرب في أواخر الستينات من القرن الماضي, وذلك على اثر صدور النظام العام للمحاسبة العمومية سنة 1967 حيث تمت الإشارة إليها في المادة 65 من هذا النظام, وهي بذلك طريقة جديدة لتسيير المرافق العمومية.
    و يختلط مفهوم مصالح الدولة المسيرة بصورة مستقلة باعتبارها مرفقا عاما مع باقي مفاهيم المرافق الأخرى, باعتبار أن كل مرفق يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة, ويسير من طرف الدولة بصفة مباشرة أو غير مباشرة.      
                                                            
    الفرع الأول : مفهوم أسلوب التدبير المستقل.
    كان للمرسوم الملكي رقم 66-330 الصادر بتاريخ 21 أبريل 1967[11]بشأن سن نظام عام للمحاسبة العمومية الفضل في ظهور ما يسمى بمصالح الدولة المسيرة بشكل مستقل كطريقة جديدة لإدارة المرافق العمومية , حيث نص في مادته 65 على "يعين أمر بالصرف ثانوي لكل مصلحة تسيرها الدولة بصفة مستقلة , ويقيد عمليات هده المصالح محاسب عمومي خاص ينتمي إلى محاسب الدولة السامي "فهذه المادة تعتبر بمثابة النص التأسيسي لهذه المصالح إذ لا يوجد غيرها ما تطرق لهذا الموضوع اللهم بعض النصوص التطبيقية والتي  صدرت لاحقا.                
    وينص الفصل الأول من المرسوم الملكي رقم 68-183[12] على ""تعتبر بمثابة مصالح تسيرها الدولة بصفة مستقلة حسب مدلول الفصل 65 من المرسوم الملكي رقم 66-330 بتاريخ 21 أبريل 1967 مصالح الدولة التي تغطي بموارد خاصة بعض نفقاتها غير المقتطعة من الميزانية العامة للدولة"                                                                                        
    وينص الفصل الثاني من نفس المرسوم "إن كل مصلحة تسيرها الدولة بصفة مستقلة تتوفر على ميزانية سنوية تشمل ما يلي:                                                                
    في النفقات: جميع نفقات المصلحة غير النفقات المدرجة في الميزانية العامة للدولة                
    في المداخيل: المداخل الخاصة بالمصلحة وعند الاقتضاء الإعانات المالية المعدة للتوازن والمدفوعة من الميزانية العامة للدولة "                                                                          
     فمن خلال هذه النصوص تتضح مجموعة من النقط أولها أن الغاية من إنشاء مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة تتمثل في:
    - تخفيف العبء عن الميزانية العامة للدولة, وذلك من خلال خلق مصالح تغطي نفقاتها بمواردها الخاصة.                                                                    
    - أن خلق م.د.م.ص.م كان بهدف تجاوز القواعد الكلاسيكية التي تحكم التسيير والتنظيم المالي.
     -التخلي عن التركيز الإداري المطلق في تسيير الإدارات وإصدار القرارات.
         الشئ الذي دفع المشرع المغربي إلى إصدار قانون تنظيمي رقم 00-14 [13] الذي تمم وغير القانون التنظيمي رقم 98-7                                            
    بعد صدور القانون التنظيمي الجديد أصبح ممكنا الحديث عن تعريف واضح نسبيا لمرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة , فبموجب المادة 16 من هدا القانون"تعتبر مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة: مصالح الدولة الغير متمتعة بالشخصية المعنوية والتي تغطي بموارد ذاتية بعض نفقاتها غير المقتطعة من الاعتمادات المقيدة في الميزانية العامة, ويجب أن يهدف نشاط المصالح المذكورة أساسا إلى إنتاج سلع أو تقديم خدمات مقابل دفع أجر                                
           تحدث مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة بمقتضى قانون المالية الذي تقدر فيه مداخلها ويحدد المبلغ الأقصى للنفقات التي يمكن اقتطاعها من ميزانيتها"                                 

    الفرع الثاني : خصائص مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة.
    تتميز بخاصيتين أساسيتين تميزها عن باقي المرافق الشبيهة بها:
        -الخاصية الأولى: تعتبر مصالح الدولة المسيرة بصورة مستقلة مرفقا غير متمتع بالشخصية المعنوية يتبع عضويا ووظيفيا للسلطة الرئاسية ووصاية الدولة[14].                                     
           و يمكن لمس تبعية هذه المرافق للدولة مثلا من خلال الإعانات المالية التي تحصل عليها من قبل الدولة من اجل إعادة التوازن لميزانيتها طبقا للمادة الثانية من المرسوم الملكي رقم 68-183 .   
    الخاصية الثانية : تعتبر مرافق الدولة م.ص.م.مرافق تتمتع باستقلال مالي وإداري  
       لأنها تتوفر على ميزانية خاصة بشقيها المداخيل والنفقات , وسلطة تقريرية تتجلى في الأمر بالصرف.      
      
    الفرع الثالث : القانون المنظم ل: م.د.م.ص.م
          لقد تبين للمجلس الدستوري المغربي أن الفصل 65 من قانون 1967 المتعلق بالمحاسبة العمومية و المنظم لمصالح الدولة م.ص.م قد أوقع المصالح المذكورة في عدة تناقضات فيما يتعلق بتطبيقها ولعل دلك راجع إلى إبعاد السلطة التشريعية عن الموضوع واحتكاره من طرف السلطة التنفيذية ,و بالتالي تم إلزام المشرع بتصحيح القانون السابق , فصدر من جراء دلك القانون رقم 00-14 والذي غير الشئ الكثير من القانون السابق , بل وقلب فحواه وتبث قواعده المهتزة حينما أعاد تنظيم صلاحية إنشاء هده المرافق.

    ·       صلاحية خلق هذه المرافق.                                          
           إن المادة 16 مكرر من القانون التنظيمي رقم 00-14 المتمم والمغير للقانون التنظيمي رقم 98-7 لقانون المالية , نصت بصريح العبارة " تحدث مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة بمقتضى قانون المالية الذي تقدر فيه مداخلها ويحدد به المبلغ الأقصى للنفقات التي يمكن اقتطاعها من ميزانيتاها " .
           ومن هنا يتبين أن السلطة التشريعية هي المشرع العادي فيما يخص إحداث هده المرافق, أما الحكومة فتعتبر مشرعا استثنائيا بالنسبة لهده المرافق, أما من حيث إلغائها فإنها تلغى بموجب قانون المالية. وتجدر الإشارة فيما يخص السلطة التقديرية لإنشاء هده المرافق, قد تكون إجبارية لا تتمتع السلطة العامة بسلطة تقديرية في إحداثها ودلك لإشباع الحاجيات الأساسية للمواطنين, وقد تكون اختيارية تتمتع الإدارة بحرية مطلقة في إحداثها.

    المبحث الثاني: الطرق الخاصة لإدارة المرافق العمومية في النموذجين المغربي و الفرنسي.
    تلجأ الدولة في حالات متعددة إلى تفويض إدارة مرافقها العمومية للخواص إما كليا مع الإبقاء على حقها في المراقبة و المتابعة كما يمكن للدولة أيضا أن تدير مرافقها الاقتصادية بالاشتراك مع الخواص و سنحاول في هذا المبحث العمل على توضيح مختلف الأساليب الخاصة في إدارة المرافق العمومية و سنخصص لهذا الغرض ثلاث مطالب : المطلب الأول :المقاولة العمومية  L’Entreprise public ، المطلب الثاني : أسلوب الامتياز  La Concession ، المطلب الثالث : التدبير المفوض La Gestion Déléguée.
    §       المطلب الأول : المقاولة العمومية. L’Entreprise public
    يكتسي أسلوب المقاولة العمومية أهمية بالغة نظرا لتخصصه في تدبير المجال الاقتصادي الذي يولى من الأهمية الكثير و يمكن اعتبار المقاولات العمومية وحدات اقتصادية تملك فيها الدولة رأس مال كليا أو جزئيا
    الفرع الأول : مفهوم المقاولة العمومية.
    يقصد بالمقاولة العمومية تلك المقاولات التي تنطبق بصفة عامة على الوحدة الاقتصادية التي تملك فيها الدولة رأس المال كليا أو جزئيا تسعى إلى تحقيق نشاط تجاري أو صناعي فتتمتع بالشخصية المعنوية و تخضع كليا أو جزئيا للقانون الخاص ، فيما يخص التدبير و التنظيم و تخضع لرقابة السلطات العمومية.
    و يعتبر أسلوب المقاولة العمومية أحد الأساليب التي تلجأ إليها الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة في تدخلاتها الاقتصادية. فالدولة حين تمارس الإنتاج و التداول لا بد أن تأخذ بالأساليب السائدة في القطاع الخاص الذي ولدت و ترعرعت فيه، و هذه المقاولة تستعمل القانون الخاص كإطار قانوني لها. و لكنها في نفس الوقت تستفيد من امتيازات القانون العام.[15]

    الفرع الثاني : أنواع المقاولات العمومية.
     تأخذ المقاولة العمومية أشكال قانونية متعددة كشكل المؤسسة العمومية التجارية و الصناعية أو شكل شركة ذات الرأسمال العمومي أو شكل شركة الاقتصاد المختلط.
    و إذا كانت المقاولة العمومية التي تأخذ شكل مؤسسة عامة تجارية، و صناعية تعد من أشخاص القانون العام، فإن الشركة ذات الرأسمال العمومي و شركة الاقتصاد المختلط تعد من أشخاص القانون الخاص.



    أولا : شركات الإقتصاد المختلط.
    تقوم هذه الطريقة على أساس أن إدارة المرفق العام تتم من قبل هيئة مختلطة من القطاعين العام و الخاص و ذلك نتيجة لاشتراك القطاعين في رأسمال الشركة المقوم للمرفق العام، و ينحصر تطبيق هذه الطريقة في المرافق العامة الإقتصادية، التجارية، و الصناعية، كما أنها تظهر دائما بشكل شركة مساهمة تمتلك فيها الدولة جزءا من الأسهم أو السندات، و يمتلك القطاع الخاص الجزء الآخر منه، و بتعبير آخر تختلط في هذه الطريقة لإدارة المرافق العامة ، رؤوس الأموال العامة و الخاصة كما يشترك في إدارة المرفق العام الموظفون العموميون إلى جانب رجال الأعمال الخواص.
    و بما أن هذه الطريقة تظهر دائما في شكل شركة مساهمة (أي شركة تجارية) فإنها تخضع من حيث المبدأ للقانون التجاري ليس فقط من حيث تنظيمها الداخلي، و إنما أيضا في كل ما يتعلق بعلاقاتها و روابطها مع الغير من زبائن أو مجهزين، فكل هذه الروابط و العلاقات، و ما ينجم عنها من نزاعات يجب أن تحكم من حيث المبدأ بموجب أحكام القانون التجاري و بغض النظر عن مدى و مقدار مساهمة الدولة في الشركة المساهمة، إذ أن القانون التجاري هو الذي يحكم الشركات التجارية و منها شركات الإقتصاد المختلط.

    1.    خصائص شركة الإقتصاد المختلط.
    تخضع للنصوص المنظمة للشركات المساهمة، ليس فقط من حيث التنظيم الداخلي و إنما كذلك فيما يتعلق بعلاقاتها و روابطها مع الغير (العقود و الاتفاقيات) . فاشتراك الدولة في رأسمال الشركة طبقا لأسلوب الإقتصاد المختلط، تمشيا مع خطة التنمية الإقتصادية و الإجتماعية  ليس من شأنه أن يغير من الشكل القانوني للشركة، كشركة مساهمة تخضع لأحكام القانون الخاص، و لكن هذه الشركات و إن كانت تتشابه مع شركات مساهمة عادية في كثير من الأحيان، إلا أنه ينبغي التسليم أن هناك نقط الإختلاف كثير بينهما و في جوانب مختلفة، بحيث إن الشخص العام يحاول بقدر الإمكان أن يظل محتفظا بأغلبية الأسهم حتى يتمكن من فرض استمرارية رقابته عليها، و في كثير من الأحيان تضفي عليها الدولة نظاما استثنائيا لكي يتمتع بنظام الإحتكار، و يستعمل امتيازات النظام العام.[16]

    و كان الاقتصاد المختلط، ظهر أساسا كفكرة تعبر عن التعايش أو التواجد الثنائي للقطاعين العام و الخاص من أجل اقتسام السلطة الاقتصادية، باعتبار أحدهما مختلف و منفصل عن الآخر ، بل و متناقض في الأهداف و الوسائل أي التناقض بين المصلحة العامة و منطق الربح و بينهم آلية السوق كمحرك لهذا التناقض في الصراع الإيديولوجي، فإن التطور الذي شهده ذلك الحضور الثنائي في الإقتصاد قد اتخذ عدة أشكال ضمن مفهوم الشراكة، لذلك و من منطق المعيار الوظيفي و القانوني لهذا المفهوم الذي ينطوي على تصور متميز لإدارة المرافق العامة وفق منهجية تؤسس لحوار تعاون أخلاقي و شراكة حقيقية بين قطاعين مختلفين، فالحديث عن الخصوصيات الكبرى لهذا المفهوم تنطلق من ملامح هذا الأخير، و بالفعل هذا المفهوم يتميز بعدة سمات تحقق مزايا عدة كاعتبار شركة الإقتصاد المختلط أرقى صيغة تجسد مفهوم الشراكة بين القطاع العام و الخاص، شركة الإقتصاد المختلط آلية لتجاوز عيوب التسيير العام و الخاص .

    ·       شركة الاقتصاد المختلط أرقى صيغة تجسد مفهوم الشراكة بين القطاع العام و الخاص
    في ظل عدم وجود تعريف قانوني لمفهوم الشراكة و صعوبة تحديد أنواعه، بحيث يبقى مجرد مفهوم وظيفي تجريبي، على اعتبار أنه اتفاق ينبني على اقتسام المسؤوليات و الاستثمارات، المخاطر المحتملة و حتى الأرباح المتوقعة من جهة. و بالنظر لهدف و غاية الجماعة المحلية للدخول في شراكة مع القطاع الخاص وفق صيغة الاقتصاد المختلط التي جاءت كبديل عن الإشكالات الكبرى التي نتجت عن تجربة التدبير المفوض، لكونها بمثابة أداة اقتصادية و آلية تقنية تدبيرية توفر للدولة نوعا من المرونة في التعامل و القدرة على التكيف مع محيطها الاقتصادي و مختلف المتغيرات الاقتصادية. كل ذلك ناتج عن عنصر الرأسمال المشترك و هي سمة جوهرية و أساسية تحدد ماهية الاقتصاد المختلط كأسلوب يحاول التوفيق بين الاقتصاد الموجه و الاقتصاد اللبرالي من خلال خلق حوار و تعاون بين القطاع العام و القطاع الخاص، و جعل مصالحها مصالح مشتركة عبر محاولة تجاوز عيوب التسيير العام و الخاص.[17]

    ·       شركة الاقتصاد المختلط آلية لتجاوز عيوب التسيير العام و الخاص.
    إن القول بهذه الخاصية تميز هذا الأسلوب تنطلق من كونه يأتي في موقع وسط بين التسيير العام و التسيير الخاص ، يأخذ بعين الاعتبار أهداف و وظائف و الضوابط القانونية التي تأطر كلا من الأسلوبين و بعبارة أدق إن مفهوم شركة الإقتصاد المختلط يفضي إلى التوفيق بين المصلحة العامة التي تهدف إليها الهيآت العامة المكلفة بتسيير مرفق عام من جهة، و بين هاجس الربح الذي تسعى إليه الهيئات الخاصة من جهة ثانية، عبر خلق نوع من التوازن بين المصلحة العامة و الربح المبرر. هذه الوظيفة المتميزة للاقتصاد المختلط هي التي جعلته في موقع وسط بين طرق التسيير يحاول أن يتجاوز الانتقادات الموجهة إليها.
    2.    إحداث شركات الاقتصاد المختلط.
    تحدث شركة الاقتصاد المختلط بأساليب شتى، فقد يتم إحداثها في البداية بواسطة الدولة، و تبيع بعد ذلك أسهمها للخواص، أو أن تقوم بإحداثها منذ البداية مع شركاء الخواص كما هو الشأن بالنسبة للبنك المغربي للتجارة الخارجية و البنك الوطني للإنماء الاقتصادي ، على أن تقتني أسهما أخرى عبر السنين، كما وقع للخطوط الجوية الملكية ، كما يمكن أن يكون إحداثها عن طريق مساهمة الدولة في رأسمال شركة خاصة كانت قائمة من قبل كالشركة المغربية للنقل.
    و نشير إلى أن الفقه اختلف حول الوسيلة أو الأداة التي تحدثها بموجبها ش إ م ، فهناك من يشترط الإحداث بقانون أو بناء على قانون بحجة أن النظام الإداري للشركة يخالف قواعد القانون التي تحكم الشركات (القانون التجاري) ، و بما أن القانون التجاري صاغه المشرع فلا يجوز مخالفته ، و يضاف إلى ذلك أن إحداث الشركة يتطلب المساهمة بمال عام، و البرلمان هو السلطة المخولة بالإذن للحكومة بذلك.[18]
    أما شركات الاقتصاد المختلط المحلية فتسمح قوانين اللامركزية للمجالس المحلية بأن تشارك مع الفاعلين الاقتصاديين و الخواص بواسطة إحداث أو المساهمة في شركات الاقتصاد المختلط ، فالفقرة الثانية من المادة 36 من الميثاق الجماعي، تنص على أن المجلس الجماعي يبث في شأن مساهمة الجماعة في مقاولات و شركات الاقتصاد المختلط ذات الفائدة الجماعية أو ذات لبفائدة المشتركة بين لبجماعات و العمالات و الاقاليم و الجهات، و إن مقرر إحداث مقاولات و شركات      الاقتصاد المختلط أو المساهمة فيها لا يكون قابلا للتنفيذ إلا إذا صادقت عليها سلطة الوصاية وفق مقتضيات المادة 69 من القانون أعلاه.[19]

    نفس المسلك نهجته المادة 36 من القانون 00.79 المتعلق بتنظيم العمالات و الاقاليم الصادر في 3 أكتوبر 2002، التي تنص على أن مجلس العمالة أو الاقليم بالبث في شأن إحداث مقاولات و شركات الاقتصاد المختلط ذات الفائدة للعمالة أو الإقليم أو المساهمة فيها. كما أن مقرر الاحداث لا يكون قابل للتنفيذ إلا إذا صادقت عليه سلطة الوصاية طبقا لمقتضيات المادة 59 من القانون المشار إليه أعلاه .
    أما على المستوى الجهوي فقد سبق للقانون المتعلق بالتنظيم الجهوي الصادر بتاريخ 2 أبريل 1997 أن خول لهذا المجلس وفق ما تنص عليه المادة 7 بالتداول بشأن مساهمة الجهة في مقاولات الاقتصاد المختلط ذات الفائدة الجهوية أو المشتركة بين الجهات غير أن هذا القرار لا يكون قابلا للتنفيذ إلا إذا صادقت عليه سلطة الوصاية.
    عكس القانون المقارن فنجد المشرع الفرنسي قد وضع نظاما قانونيا خاصا بهذه الشركات و يتشكل من ثلاث قوانين .
    -         قانون 2002 بتاريخ 2 يناير 2002 [20]و المتعلق بتحديث نظام شركات الاقتصاد المختلط، و كذا وضع مجموعة من التدبير المتعلقة بتحديد و توضيح النظام المتعلق بتمثيلية المنتخب بالجماعات المحلية و مجموعا تهم في المجالس الإدارية لهذه الشركات و كذلك مسألة المراقبة.
    إضافة إلى مجموعة من المقتضيات القانونية الأخرى و المتعلقة بالتنصيص على الشفافية و التواصل بهذه الشركات.
    - هناك أيضا قانون رقم 1208 – 2000 بتاريخ 13 دجنبر 2000 و المتعلق بالتدابير الجديدة لمجالات التضلمن و التهيئة الحضرية، و البناء و تدبير المباني الاجتماعية و التعاون اللامركزي ، في الشق المتعلق بهذه الشركات.
    - ثم القانون رقم 420 – 2001 بتاريخ 15 ماي 2001 و المتعلق بمجموعة من الضوابط الاقتصادية لهذه الشركات.

    فبناء على هذه القوانين و مدونة التجارة، تتخذ هذه الشركات صيغة شركة مجهولة الاسم تسيدهم رأسمالها الجماعات المحلية إلى جانب القطاع الخاص عبر اقتناء الأسهم بذلك تكون شركات تجارية،[21]  و يجب توفر على الأقل سبعة مساهمين و أكثر من 50% إلى حد أقصاه 85% وجب امتلاكه من طرف الجماعات المحلية بالمقابل فإن الحد الأدنى لمساهمة الأشخاص الخاصة ثم تحديده في 15%.

    كما أن المشرع المغربي لم يبين القواعد التي تنظم كيفية مساهمة الجماعات المحلية و لم يحدد النسبة التي يمكن للجماعة أن تشارك بها في رأسمال الشركة، إلا أن بعض الكتابات تحدثت على الأشكال التي يمكن أن تتخذها هذه المساهمة، بحيث ، بحيث يمكن أن تتجلى في تقديم حصص مالية كمساهمة منها في رأسمال الشركة أو في شراء أسهم من رأسمالها كما يمكن أن تتخذ شكلا عينيا يتجلى في تقديم منافع أو امتيازات أو عقارات على عكس المشرع الفرنسي الذي حدد نسبة الاكتتاب.
    لذا و أمام هذا الوجود القانوني لهذا الأسلوب التدبيري في فرنسا و الغياب على المستوى المحلي و بناء على مطلب أغلب المهتمين بالشأن العام المحلي و التوصيات الصادرة في هذا المجال نذكر على سبيل المثال لا الحصر بالتوصيات الصادرة عن ملتقى الجماعات المحلية لسنة 2006.
    و يمكن الإشارة أن الميثاق الجماعي الجديد وفق آخر التعديلات لسنة 2009 لم ينص على شركة الاقتصاد المختلط بل جاء بنوع جديد من الشركات تحت اسم شركات التنمية المحلية ، حيث خصص لها فصلا خاصا بها تحت عنوان مقتضيات خاصة بشركات التنمية المحلية. و تنص المادة 140 من القانون رقم 17.08 " يمكن للجماعات المحلية و مجموعاتها، إحداث شركات تسمى شركات التنمية المحلية أو المساهمة في ٍأسمالها باشتراك مع شخص أو عدة أشخاص معنوية خاضعة للقانون العام أو الخاص. و ينحصر غرض الشركة في حدود الأنشطة ذات الطبيعة الصناعية و التجارية، التي تدخل في اختصاصات الجماعات المحلية و مجموعاتها باستثناء تدبير الملك الخاص الجماعي."[22]
    مع غياب إطار قانوني ينظمها مثلها في ذلك مثل شركة الاقتصاد المختلط.

    3.    إلغاء شركات الاقتصاد المختلط.

    تنتهي الشركات ذات الاقتصاد المختلط بتحقق بعض الأسباب الخاصة بانقضاء شركات المساهمة العادية و الخاصة، و التي أشارت إليها مواد قانون الالتزامات و العقود و قانون الشركات. و قد تنتهي بالنظر إلى المساهمة العمومية في رأسمال هذه الشركات، بأساليب غير منصوص عليها في ق ل ع و قانون الشركات أي تنتهي بأسلوب قانون الخوصصة.[23]

    4.    التنظيم الإداري لشركات الإقتصاد المختلط
    يتولى إدارة هذه الشركات هيئات جماعية و فردية، فالهيئات الجماعية تتمثل في الجمعية العمومية للمساهمين و المجلس الإداري و في لجان التسيير، أما الهيئات الفردية فتتمثل في الرئيس المدير العام أو الرئيس.
    1.    الهيئات الجماعية:
    أ – الجمعية العمومية للمساهمين
    تخضع الجمعية العمومية لشركات الاقتصاد المختلط إلى قواعد القانون الخاص المتعلق بالشركات المساهمة مع احترام القواعد الخارجة عن المألوف في هذا القانون و المنصوص عليها في النصوص المنظمة لهذا النوع من الشركات، أما اختصاصات هذه الجمعية فهي تتأثر بطريقة مباشرة بالتعيين المباشر لأعضائها من طرف الدولة، خصوصا و أن مندوبي الدولة ، لا يفرض عليهم أن يكونوا مساهمين حقيقيين أو مالكين حقيقيين للأسهم، و تبقى الجمعية العمومية للمساهمين مجردة من كل الاختصاصات التي قد ترمي إلى تغيير رأسمال الشركةأو إلى اتخاذ بعض القرارات المهمة الأخرى، و حتى و إن قامت باتخاذ مثل هذه القرارات، فإنها لا تطبقها إلا بعد المصادقة الحكومية عليها.[24]
    ب – المجلس الإداري
    يتألف المجلس الإداري لشركات الاقتصاد المختلط من ممثلي الدولة و ممثلي الخواص ، و إذا كان ممثلو الخواص يتم تعيينهم وفقا للأعراف و القوانين المنظمة للشركات المساهمة العادية،ـ فبالنسبة لممثلي الدولة، فهناك ميول إلى اعتبار أعضاء المجلس الإداري مندوبي الدولة و أعوان خاضعين للسلطة العامة.
    و تنص عادة بعض المعاهدات المتعلقة بشركة الاقتصاد المختلط على توزيع المقاعد داخل المجلس الإداري لهذا النوع من الشركات بين الهيئات العمومية من جهة و الهيئات الخاصة من جهة ثانية، و لقد تم استعمال هذه الطريقة من طرف الشركة الوطنية للإستثمار و صندوق الإيداع و التدبير.
    و يعتبر المجلس الهيئة الأساسية في إدارة الشركة ، و يمارس اختصاصات أصلية و أخرى مفوضة، فالأصلية تنبع من الوثائق و النصوص المؤسسة لهذه الشركة بصفة خاصة و الشركات التجارية بصفة عامة، أما المفوضة و هي التي يمارسها بناء على تفويض من الجمعية العمومية.
    و لابد من الإشارة إلى أن اجتماعات المجلس الإداري عادة ما تخضع للقواعد المسطرة في قانون الشركات التجارية.

    د – اللجنة التقنية أو لجنة التسيير
    تهدف هذه اللجنة و التي توجد في بعض ش إ م إلى رقابة التسيير العادي للشركة و العمل على تنفيذ القرارات المتخذة من قبل المجلس الإداري ما بين دوراته، كما تقوم بمساعدة إدارة الشركة على تحضير و تهيئ اجتماعات المجلس الإداري، و إبداء رأيها في المشاكل المتعلقة بالتسيير التقني و المالي و الإداري للمقاولة العامة.


    2.    الهيئات الفردية :

    أ‌.        رئيس المجلس الإداري
    يعتبر رئيس المجلس الإداري الهيئة التنفيذية العليا في الشركات ذات الاقتصاد المختلط و يتم تعيينه من طرف السلطة العامة بدلا من المجلس الإداري خصوصا الشركات التي تملك فيها الدولة أغلبية الأسهم الشيء الذي يجعل الرئيس يتمتع بوضعية من القانون العام. كما أن توجهاته تنبثق من توجيهات الدولة أكثر من توجيهات الجمعية العمومية، أو المجلس الإداري، إذ غالبا ما يقتصر دوره على السهر في تنفيذ السياسة الإقتصادية للحكومة داخل الشركة.
    ب‌.  المدير
    يوجد مدير الشركة ذات الاقتصاد المختلط في وضعية قوية إزاء المجلس الإداري و رئيسه بالمقارنة مع وضعيته في الشركات المساهمة العادية إلا أن أغلب ش إ م في المغرب تعرف ما يسمى بالرئيس المدير العام و ذلك بالجمع بين وظيفة رئيس المجلس الإداري و وظيفة مدير الشركة كما هو الحال بالنسبة للقرض العقاري و السياحي. أما عن اختصاصاته فيلعب دور المحرك الأساسي للشركة إذ يسهر شخصيا على تسييرها اليومي، و يترأس اجتماع المسؤولين عن المديريات و الأقسام و يعمل على توجيه مخططات الشركة و رسم السياسة العام للشركة.

    ثانيا : الشركة العامة ذات الرأسمال العمومي.
    1- إحداث الشركة العامة ذات الرأسمال العمومي.
    ليس هناك نص قانوني يعبر بوضوح عن السلطة التي يعود إليها سلطة تأسيس الشركات ذات الرأسمال العمومي في المغرب، و قد أدى ذلك إلى وجود تباين في مجال الممارسة. فبعض الشركات العامة تم إحداثها بقانون كالشركة الوطنية للمنتوجات النفطية، أي بظهير بمثابة قانون صادر في 4 أبريل 1974 المتعلقة بمغربة أنشطة توزيع المواد النفطية .
    و لا بد من التأكيد في هذا الإطار ، أن الاختصاص في إحداث الشركات العامة ذات الرأسمال العمومي يتسم بالغموض، و بما أن بعض الشركات من هذا النوع قد تم إحداثها بموجب قانون و البعض الآخر تم إحداثه بدون اللجوء إلى القانون يمكن أن نعتبر على أنه أمام غياب نص قانوني صريح ، يبقى هذا الاختصاص غير مرتبط بالسلطة التشريعية. و الحالات التي تحدث فيها الشركات بقانون هي فقط حالات تريد الدولة أن تضفي عليها الدولة نوعا من الشكليات، خصوصا و قد ينتج عن هذا الإحداث انعكاس على حرية التجارة و الصناعة و الملكية الخاصة في قطاع معين. علما أم إحداث هذه الشركات مؤخرا تم بتحويل المرفق العام من أسلوب المؤسسة العمومية إلى أسلوب الشركة العامة كما هو الشأن للشركة المغربية للشاي و السكر. مع ملاحظة أن الدستور المغربي تطلب صدور قانون من أجل إحداث المؤسسات العمومية. و هذا دليل على أنها حضيت بمعاملة متميزة من جانب المشرع الدستوري فيما يتعلق بأسلوب إحداثها، و إلا كان قد عمم هذا الأسلوب بالنسبة للشركات العامة.
    و تجدر الإشارة إلى أنه (حسب الأستاذ محمد الأعرج) إذا كانت هناك حالات لم يتدخل المشرع لخلق هذا النوع من الشركات العامة، فإن الدولة تتدخل لتحديد بعض القواعد الخاصة بالتسيير ، من خلال إصدار قرارات وزارية و بالخصوص قرارات صادرة عن وزير المالية تحدد شروط التنظيم المالي و الحسابي للشركة.

    2- إلغاء الشركة العامة ذات الرأسمال العمومي .
    تنقضي هذه الشركات بتحقق بعض الأسباب الخاصة بانقضاء الشركات و التي أشارت إليها المواد من 1051 إلى 1053 من ق ل ع و كذلك المادتين 36 و 37 من القانون المطبق بمقتضى ظهير 11 غشت 1922 الخاص بشركات المساهمة و الذي تم تغييره بالقانون رقم 17-95 المتعلق بشركات المجهولة الاسم. و كذلك بمقتضى أحكام مدونة التجارة، و هكذا فانحلال الشركة يتم بعد مداولة الجمعية العمومية للمساهمين ، إلا أنه و بما أن الأمر يتعلق بشركة عمومية فإن المسألة تحتاج إلى موافقة الدولة في شخص السلطات المختصة بالإنشاء مع العلم أن الإنحلال الناجم عن التصفية لا يتفق مع طبيعة هذه الشركات، لأن الأمر يتعلق بشركات عمومية.
     كما تنقضي هذه الشركات عن طريق تحويلها من القطاع العام إلى القطاع الخاص، و في هذه الحالة تخضع لمقتضيات دستورية كالفصل 46 من دستور 1996 و القانون المتعلق بالخوصصة ، قانون رقم 89-39 و المراسيم التطبيقية لهذا القانون.

    3-  التنظيم الإداري للشركات العامة.
    تسري على الشركة العامة ذات الرأسمال العمومي القواعد المتعلقة بقانون الشركات يعني أنها تخضع في تنظيمها و إدارتها للقواعد و الإجراءات التي تحكم شركات المساهمة، إلا أنه و بالنظر لطبيعتها كمقاولة عمومية، فهي تأخذ ببعض القواعد الخاصة و الاستثنائية، و هكذا فالقواعد التقريرية و التنفيذية كما هو الحال في جل الشركات هي : الجمعية العمومية للمساهمين و المجلس الإداري و المدير لكن صلاحيات هذه الهيئات ليست لها نفس الوظيفة، بالنظر لوجود الدولة كمساهم وحيد أو بجانب آخرين في هذه الشركة بالنظر للشركات المملوكة كليا للخواص. [25]

    أ – الجمعية العمومية للمساهمين
    وظيفة الجمعية العمومية للمساهمين في هذا النوع من الشركات محدودة جدا، فوجودها ليس لهدف تداولي حقيقي و لكن لهدف شكلي فقط، و هذه الوضعية تعود بالأساس لامتلاك الدولة لوحدها جميع الأسهم.
    فاختصاصات الجمعية العمومية الموجودة في هذا النوع من الشركات العامة ، تختلف و بشكل جذري عن الاختصاصات المخولة للجمعية العمومية في الشركات الخاصة، يعني أن أهداف الشركة العامة و تسييرها الإقتصادي يخضع للسياسة الإقتصادية التي تنهجها الدولة و لا يتوقف على قرارات الجمعية العمومية ، فصلاحيات تعيين أعضاء المجلس الإداري و تعديل القواعد التنظيمية أو الصلاحية في النظر في رأسمال الشركة و جميع المسائل المتعلقة بكيان الشركة تقوم به الدولة لوحدها، و هذا راجع لكون أن الجمعية العمومية في الشركات العامة تتكون من موظفين يمثلون الإدارات المركزية المعنية بنشاط الشركة.و بالتالي فإن هؤلاء ليسوا مساهمين في رأسمال الشركة كما هو الشأن في الشركات الخاصة.

    ب – المجلس الإداري
    طريقة تكوين المجلس الإداري و تعيين أعضائه في الشركة العامة ذات الرأسمال العمومي تخضع لنفس الطريقة التي تم إقرارها في المؤسسات العمومية الصناعية و التجارية.
    فمبدأ تمثيل المصالح يعني مصالح الدولة و المتعاملين مع الشركة و مصالح العاملين في الجهاز المسير لهذا النوع من الشركات لا تختلف عن ما هو معمول به في المؤسسات العامة الصناعية و التجارية. و غالبا ما يمثل الدولة في هذه المجالس عدة متصرفين يمثلون وزارات متعددة ذات علاقة بنشاط الشركة المعنية، و تعدد هؤلاء المتصرفين تقتضيه الرغبة في إيجاد توازن لوجهات النظر المختلفة تحقيقا للمصلحة العامة.
    أما اختصاصات المجلس في الشركات العامة متطابقة لما ينص عليه في الشركات الخاصة و تحدد أهم السلطات و الاختصاصات المنصوص عليها للمجلس الإداري في الشركات العامة في القرارات التالية:
    1.       القرارات المتعلقة بسياسة الإنتاج و التبادل و التسويق و الاستثمار و الاقتراض.
    2.       القرارات المتعلقة بالعقود التي ترتب حقوقا أو التزامات على الشركة أو لصالحها.
    3.       القرارات المتعلقة بالعاملين في الشركة.
    4.       القرارات المتعلقة بدعوة الجمعية العمومية للإنتاج.
    5.       إحداث اللجان التقنية.[26]

    ج – المدير:
    يتم تعيين المدير بواسطة ظهير ملكي، و يمارس المدير اختصاصات واسعة ، فهو المحرك للآلة القانونية للشركة، و هو الرئيس الهرمي للعاملين و المبرم للعقود و الصفقات، و الآمر بالصرف، و الداعي لانعقاد الجمعية العامة و المجلس الإداري، و هذا راجع إلى كون المجلس الإداري في الشركات العامة مجرد مؤسسة استشارية، و الجمعية العمومية للمساهمين مجرد مؤسسة صورية بعكس ما هو عليه الحال في شركات المساهمة الخاصة.


    ·       المطلب الثاني: الامتياز أو الالتزام La concession
         نشأت فكرة الامتياز عن مذهب الاقتصاد الحر الذي كان سائدا في فرنسا خلال القرن التاسع عشر والذي ساعد الدولة على منح عدة امتيازات في قطاعات مختلفة ذات طابع اقتصادي كالنقل السككي، توزيع الغاز والكهرباء والتزويد بالماء الصالح للشرب.
    وبعد الأزمة الاقتصادية لسنة 1929 والحرب العالمية الثانية صدرت عدة قوانين تحد من سيطرة الرأسمالية وتسجل تراجعا في تسيير المرافق العامة بأسلوب الامتياز. وهكذا نهجت الدولة سياسة تأميم الكثير من الامتيازات، كرد فعل لاحتكار بعض الأنشطة الحيوية من لدن الرأسمال الخاص. ومع بداية الثمانينات، صدرت عدة قوانين تنص على إمكانية اللجوء إلى أسلوب الامتياز في تسيير المرافق العامة: مرافق النقل، الصحة، إلخ. في المغرب ابتداء من سنة 1906، تاريخ توقيع اتفاقية الجزيرة الخضراء، عملت السلطات العمومية على منح الامتيازات المرفقية إلى الأجانب. ومع توقيع معاهدة الحماية في 30 مارس 1912، فقدت الحكومة المغربية سلطتها في إبرام عقود الامتياز المتعلقة بتسيير المرافق العامة، حيث لا يمكن لها بأي شكل من الأشكال إبرام عقد الامتياز دون طلب ترخيص من الحكومة الفرنسية. وهكذا، استعمل الامتياز بشكل واسع في ميادين الطاقة والنقل السككي واستغلال الموانئ، إلخ.
    وبعد الاستقلال، قامت السلطات المغربية باسترجاع مختلف الامتيازات التي كانت في حوزة الأجانب، كما قررت التخلي عن أسلوب الامتياز إلى غاية سنة 1985 عندما تقرر السماح للقطاع الخاص بتسيير بعض الامتيازات المرفقية المتعلقة بالنقل الحضري للتخفيف من حدة الأزمة التي يعرفها قطاع النقل وخاصة في المدن الكبرى. ووصل عدد الشركات صاحبة الامتياز سنة 1993 إلى 51 شركة[27].
    إن امتياز المرفق العام، هو طريقة من طرق التدبير أو التسيير المقتصرة على المرافق الاقتصادية.
    إن امتياز الأشغال العامة يكون كلما تكلف الملتزم على نفقته بإقامة الأشغال والأوراش الأساسية لعملية تسيير وتنفيذ المرفق العام، تلك النفقات يتم إدراجها ضمن حساب تكاليف الخدمة، على أن تعود تلك الأوراش، والمنشآت للسلطة مانحة الامتياز، وتدخل ضمن أملاكها في نهاية عقد الامتياز، وهو الأسلوب المعتمد، مثلا في إنجاز أشغال عامة، عندما لا يلتزم صاحب الامتياز ببناء أوراش ومنشآت عمومية كالاقتصار مثلا، على تسيير الحافلات أو نقل عمومي من نوع آخر.
    للدولة أو الشخص العام سلطة تقديرية واسعة تمنحه حرية اختيار المتعاقد معها دون أن تتبع الإجراءات والمساطير المنصوص عليها في قانون الصفقات، على اعتبار أنه لتدبير مرفق عام لما له من اتصال بالمصلحة العامة لا يمكن أن يعهد به إلا للأشخاص الذين يحظون بثقة السلطات العمومية.
    إن امتياز المرفق العام هو عقد إداري تبرمه السلطة العمومية مع أحد الأفراد أو الشركات التي يعهد إليها بتسيير مرفق عام طبقا لشروط محددة بمقتضى دفتر التحملات لمدة زمنية طويلة أو قصيرة منصوص عليها في عقد الامتياز.
    وتختلف هذه الطريقة عن الطرق السالفة الذكر، أي الاستغلال المباشر والمؤسسة العامة والمقاولة العامة أساسا على اعتبار أن الإدارة لا تتولى بنفسها إدارة المرفق العام، ولا تلتزم بتقديم المساعدات اللازمة للمشروع، والمعهود له بتدبير هذا المرفق لا يعتبر موظفا عموميا بل تسري علي القواعد المطبقة على الأجراء في علاقاتهم مع الملتزم، أي قواعد وأحكام قانون الشغل.
    وعقد الالتزام ينفرد بخصائص تميزه أهمها:
    -         أنه عقد إداري من نوع خاص.
    -         نشاطه مرفق اقتصادي في أغلب الحالات.
    -         محدد النفقات التي ستصرف في تسيير المشروع.
    -         يتحمل الفرد أو الشركة نفقات المشروع ومخاطره المالية[28].

    الفرع الأول: الطبيعة القانونية لعقد الامتياز. و السلطة المختصة بمنحه.
    1.    الطبيعة القانونية لعقد الامتياز.
    ·       موقف الفقه:
    ذهب بعض الفقهاء إلى أن الالتزام هو وليد أمر انفرادي من جانب السلطة العامة مانحة الالتزام بما لها من سلطة آمرة، ويخضع الملتزم (صاحب الامتياز) لهذا الأمر اختياريا لقبوله شروط الالتزام.
    وهذه النظرية ظهرت في الفقه الألماني والفقه الإيطالي إلى حد ما حتى أواخر هذا القرن. ويتجلى عيب هذه النظرية في أنها تطلق يد الإدارة العامة في تعديل عقد الامتياز أو إلغائه دون التقيد بنصوصه وشروطه وتنكر دور الملتزم إنكارا لا يتناسب مع دوره في إدارة الامتياز.
    وذهب رأي آخر في فرنسا ومصر في أوائل هذا القرن إلى اعتبار الالتزام أو الامتياز عقدا من عقود القانون المدني، يخضع للقواعد التي تحكم العقود المدنية. ويعيب هذا الرأي أن الأخذ به على إطلاقه يحول دون تدخل الإدارة في تعديل شروط الالتزام، وهذا يتنافى مع إحدى القواعد التي تحكم سير المرافق العامة، وهي قاعدة قابلية نظام المرافق العامة للتغيير والتبديل حتى تستجيب لحاجات الجمهور التي تتغير بتغير الظروف الاجتماعية المختلفة، كما أن العلاقة بين مانح الالتزام والملتزم لا يمكن اعتبارها علاقة تعاقدية، لأن تنظيم المرفق العام لا يجوز أن يكون محلا للتعاقد، فهو من اختصاصات السلطة العامة الدائمة، والتي لا تملك التنازل عنها.
    أما الفقيه دوجيه فقد صاغ نظرية جديدة وهي السائدة حاليا مفادها أن الالتزام هو عمل قانوني مركب له طبيعة مختلطة أو مزدوجة تشمل نوعين من لنصوص (التعاقدية والتنظيمية). فالنصوص التعاقدية هي تلك التي تشمل الأعباء المالية المتبادلة بين مانح الالتزام والملتزم بمعنى أنها لا تهم المنتفعين مباشرة كمدة الالتزام، وكيفية استرداده، والخاصة بتنفيذ الأشغال العامة التي يقتضيها الالتزام...إلخ.
    أما النصوص التنظيمية، فهي تلك التي تعمل على تنظيم المرفق العام وسيره، كتحديد الرسوم التي يجوز تحصيلها، وشروط الانتفاع بالخدمة التي يقدمها المرفق.. إلخ، وهي شروط يجوز للإدارة تعديلها وتغييرها بمفردها وفقا للمصلحة العامة ومن دون موافقة الملتزم ولكن مع وجوب تعويضه إذا أدى هذا التغيير إلى الإخلال بالتوازن المالي للعقد.
    2- موقف القضاء:
    ذهب القضاء المصري إلى اعتبار الامتياز عقدا مدنيا ثم بعد ذلك عدل عن هذا الرأي وأخذ بالتمييز بين نصوص عقد الالتزام. وقد سار القضاء في المغرب على الرأي الراجح فاعتبر الالتزام عملا قانونيا مركبا يشمل النصوص التعاقدية والنصوص التنظيمية[29].

    2.    السلطة المختصة بمنح الامتياز.

    قد يكون لمنح الامتياز آثار سلبية واقتصادية تمس سيادة الدولة عندما يمنح الامتياز لشركات أجنبية تحاول التدخل في الشؤون الداخلية للدولة.
    في هذا الإطار ثار نقاش فقهي حول اختصاص السلطة التنفيذية وصلاحيتها في منح الامتياز في فرنسا، وما إذا كان ذلك يدخل في صلاحيات المشرع وأن المشرع هو الذي يمنح الامتياز وأن ذلك يتم وفق القواعد القانونية المنظمة لمجال القانون.
    في الغرب، فإن مجال القانون منحصرا في الاختصاصات الواردة في المادة 46، ولا يوجد من بينها ما يشير إلى هذا الاختصاص مما يعني معه أن الاختصاص يمارسه الوزير الأول بمرسوم إذا تعلق الأمر بامتياز مرفق عام وطني.
    أما بخصوص امتياز المرافق العامة الجهوية، فتتم طبقا للفقرة 2 من الفصل 9 من ظهير تنظيم الجهات الصادر في 2 أبريل 1997، التي نصت: "يمكن للمجلس الجهوي تقديم اقتراحات وإبداء آراء ولهذه الغاية:
    1-...
    2- يقترح إحداث المرافق العامة الجهوية وطرق تنظيمها وتدبير شؤونها وخاصة عن طريق الوكالة المباشرة أو الوكالة المستقلة وإما عن طريق الامتياز.. ويقوم عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة بتوجيه الاقتراحات والآراء إلى السلطة الحكومية المختصة.
    أما امتياز المرافق العامة الجماعية فيختصر بمنحها المجلس الجماعي بقرار طبقا للفقرة 1 من الفصل 39 ومصادق عليه من لدن وزير الداخلية طبقا للفقرة الخامسة من الفصل 69 من ظهير 3 أكتوبر 2002 المتعلق بالتنظيم الجماعي الجديد (قانون 8.00)"[30].

    الفرع الثاني: كيفية منح الامتياز و نظامه القانوني.
    1.    كيفية منح الامتياز
    تنص دساتير معظم البلاد على أن يتم منح الامتياز بقانون أي بعد مناقشة علنية من طرف ممثلي الشعب وبعد موافقتهم. أما في المغرب وحيث جعل الدستور المجال التنظيمي هو الأصل ومجال القانون استثناء فلا يمكن القول بدخول أي أمر في مجال القانون إلا إذا نص عليه الدستور صراحة. وبما أن موضع عقد الامتياز غير منصوص عليه في الدستور فهو بذلك يدخل في المجال التنظيمي، فيكون منح الامتياز بشأن المرافق الوطنية بمرسوم، أما الامتيازات التي تمنح على نطاق الجماعات فتنشأ بمقرر من المجلس الجماعي طبقا لما نص عليه الفصل 30 في فقرته 4 والفصل 31 في فقرته 8 من قانون التنظيم الجماعي الصادر في 30 شتنبر سنة 1976.
    يكون الامتياز غالبا لمدة معقولة. فلا تكون طويلة إلى درجة التأبيد ولا قصيرة بحيث يتخوف الأفراد من الإقدام على هذا الامتياز أو الالتزام بحجة أن المدة سوف لن تكون كافية لتحصيل الأرباح وقد لا تكون كافية حتى لاسترجاع المصاريف التي يتطلبها تسيير هذا المرفق.
    لذلك وضعت بعض التشريعات حدا أقصى لمدة الامتياز بحيث لا تتجاوز الثلاثين عاما. والثلاثون عاما مدة كافية لكي يسترجع الملتزم ما أنفقه من مصاريف مع تحقيق نسبة معقولة من الأرباح[31].

    2.    النظام القانوني لعقد الامتياز.
    ينبثق عن الالتزام أو الامتياز ثلاثة أنواع من الروابط القانونية بين السلطة مانحة الالتزام والملتزم، بين الملتزم والمنتفعين، وبين السلطة مانحة الالتزام والمنتفعين.
    1- فيما يتعلق بحقوق السلطة مانحة الالتزام اتجاه الملتزم:
    للسلطة مانحة الالتزام حق الرقابة على إدارة المرفق العام، وهو حق مستمد من طبيعة المرفق العام. والإدارة ليست ملزمة للنص عليه صراحة في العقد تأسيسا على مسؤوليتها على دوام واستمرارية المرفق وعمله بانتظام واضطراد، وممارسة هذا الحق تؤسسه الإدارة على عدة معطيات:
    -         يحتوي عقد الالتزام على شروط سير المرفق العام، التي لا يمكن للملتزم تعديلها بالإضافة أو الحذف، مما يصبح معه طبيعيا أن تراقب السلطة مانحة الالتزام تنفيذ العقد مع مراعاة لتلك الشروط.
    -         وفق عقد الالتزام يحق للملتزم الاستفادة من امتيازات السلطة العامة، مثلا نزع الملكية إلخ...، وعليه من حق الدولة مراقبته تفاديا لكل استغلال من الملتزم حماية للمنتفعين.
    -         عقد الالتزام ينشئ علاقات مالية بين الجهة مانحة الالتزام وبين الملتزم، فالدولة باعتبارها المسؤولة عن حسن سير المرفق العام قد تتدخل بالمساعدات المالية وتقدمها للملتزم لاسيما في حالة وقوع خلل مادي، ويستتبع الأمر حق الدولة في مراقبة الملتزم ضمانا لحقوقها المالية.
    -         لما كان موضوع عقد الالتزام هو مرفق عام، كان من اللازم أن يعمل باضطراد وانتظام إشباعا للحاجيات العامة للأفراد، مع التطور كلما دعت الضرورة إلى ذلك. وعليه، يعتبر أساسيا تدخل الدولة لتعديل ما تراه ضروريا تحقيقا للتطابق بين مقتضيات العقد والمتطلبات المستجدة، والملتزم مجبر بتنفيذ التعديلات دون أية مناقشة كانت، فإذا أدى التعديل إلى زيادة بعض الأعباء كان من حقه المطالبة بالتعويض أو طلب إعادة النظر في الشروط العامة للعقد، للدولة حق استرجاع المرفق موضوع الالتزام بشرائه من الملتزم قبل نهاية المدة المحددة لنهاية العقد وذلك بشرطين:
    الأول: أن طريقة الالتزام لم تعد تتفق مع الغاية التي أنشئ من أجلها المرفق.
    الثاني: تعويض الملتزم عما أصابه من ضرر، وليس للملتزم الاحتجاج في مواجهة الدولة بحق مكتسب.
    وتعويض الملتزم لا يعتبر إخلالا بشروط العقد، والدولة حينما تلجأ إلى هذه الطريقة فإنها لا تحل محله لتتحمل عوضه أعباء المخاطر المالية العادية، بل لإنهاء العقد قبل مدته الأصلية من المخاطر غير العادية المتحمل وقوعها.
    وبخصوص اختيار الملتزم إذا كانت الإدارة حرة في ذلك، فالأمر قد يتم استبعاده في الفرضيات التي جعل فيها المشرع التعاقد حكرا على بعض الأشخاص العامون لتدبير بعض المرافق عن طريق الامتياز. وعليه، في القانون الفرنسي لا تستطيع الدولة والجماعات المحلية إعطاء امتياز إنتاج الكهرباء نقله أو توزيع إلا لمؤسسة كهرباء فرنسا.
    وفي فرضيات أخرى، عقد الامتياز منوط تحديدا لأشخاص بعينها كشركات الاقتصاد المختلط، أو مؤسسات عامة بالنسبة لامتياز إعداد التهيئة الحضرية أو الجهوية concessions d'aménagement urbain ou régional. كما قد يتم تفضيل بعض الهيئات على أخرى بالنظر لكفاءتها ومؤهلاتها مثلا الجماعات المحلية فيما يتعلق بامتيازات الشواطئ.
    وبديهي كذلك في هذا الإطار، أن القانون قد يجعل شرط الجنسية المغربية قيدا على الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين الذي سيستفيدون من امتيازات بعض المرافق العامة، واستبعاد هذا الشرط بالنسبة لمرافق عامة أخرى...إلخ.
    2- أما بخصوص حقوق الملتزم اتجاه السلطة مانحة الالتزام:
    باعتباره مقاول فهي مرتبطة بتحقيق الأرباح التي يأمل أن يحققها بفضل استغلاله واستثماره للمرفق الذي يدبره.
    فالأرباح المالية التي تعتبر الأساس، حيث تجلب له الفائدة في المقام الأول فهي محددة في عقد الامتياز، حيث ينظم دفتر التحملات الشروط الخاصة بالعائدات والمقابل المادي الذي يتقاضاه الملتزم بما فيها الجوانب القابلة قانونا للمناقشة بالزيادة أو النقصان. وبديهي أن محتوى البنود التعريفية مختلف من عقد امتياز إلى آخر حيث يجب أن يدخل في الحسبان احترام مبدأ المساواة بالنسبة للمستفيدين من الخدمات المرفقية.
    وعليه، إذا كان يمكن الاعتراف للملتزم بنوع من الحرية في تحديد الأثمنة والتعاريف المطبقة تحت رقابة الإدارة. فإن هذه الحرية ليست مطلقة إذ تعتبر عنصرا أساسيا مرتبطا بتنظيم وتسيير المرفق وعمله، فالسلطة مانحة الالتزام لا تستطيع غض الطرف عنه من جهة، ومن جهة أخرى، فالعائدات التي تعتبر ثمنا وفق المفهوم التشريعي للأسعار وهي موضوع تحديد وتنظيم ليس فقط من طرف السلطة مانحة الالتزام، بل كذلك من طرف السلطات المختصة في مجال تحديد الأسعار.
    كما أنه في أغلب الحالات، فإن البنود التعريفية تتضمن بنودا متغيرة آليا وتلقائيا أو عن طريق المراجعة وإعادة النظر مستمدة من إمكانية الدخول في مفاوضات جديدة بين الأطراف، حيث السلطة مانحة الالتزام لا يمكن أن تتجاوزها أو أن تعارضها دون أن يودي ذلك إلى ثبوت مسؤوليتها عن الأضرار التي قد تتسبب فيها إذا ما سارت على هذا النهج.
    وللملتزم المطالبة بجميع الحقوق التي التزمت بها السلطة مانحة الالتزام، بما في ذلك من مزايا ومساعدات مالية وقروض، وله أخذ الأرباح التي يحققها المرفق والمتمثلة في الرسوم التي يدفعا المنتفعين مقابل حصولهم على خدمة معينة، على أن يعمل الملتزم بتحمل مصاريف إنشاء وإدارة المرفق على نفقته الخاصة وتحت مسؤوليته.
    والملتزم لا يمكنه التنازل عن إدارة وتسيير المرفق لغيره إلا بموافقة السلطة مانحة الالتزام، كما يمنع أن يحل محله ملتزم آخر من الباطن. وكل إخلال مالي من جانب الدولة يؤدي بها إلى تحمل نتائجه، مثلا رفع أجور العمال أو فرض ضرائب على الموارد التي يحتاجها الملتزم والتي قد تكون لها مضاعفات ملحقة لأضرار مالية أثناء تنفيذ العقد بالالتزام.
    3- فيما يتعلق بحقوق المنتفعين أو المستفيد:
    1- اتجاه الملتزم: الاستفادة من جميع الخدمات التي يقدمها العام دونما أي تمييز بين المنتفعين، وغالبا ما يقومون بدفع رسوم مقابل الانتفاع بالخدمات الأساسية التي يقدمها الملتزم.
    2- اتجاه الدولة: لما كانت الدولة تظل مسؤولة على حسن سير المرفق العام بانتظام واضطراد لأداء الخدمات الأساسية، كان للمنتفعين أن يطلبوا منها التدخل لإجبار الملتزم على تنفيذ شروط العقد إذا ما أخل بها، وعدم اعتداد الدولة بهذه المسألة يعطي المواطنين الحق في اللجوء إلى القضاء الإداري حماية لحقوقهم ومصالحهم.
    بقيت الإشارة أن نهاية الالتزام تتم بانتهاء المدة المحددة في العقد، أو بإنهائه من جانب الدولة. وينتج عن ذلك رجوع المشروع إلى السلطة العامة، بعد تصفية النتائج المالية المترتبة عنه[32].
    الفقرة الخامسة: نهاية الالتزام.
    ينتهي الامتياز للأسباب الآتية:
    -         انتهاء مدة الالتزام وهي طريقة عادية في انتهاء عقد الالتزام.
    -         سقوط حق الملتزم قبل نهاية المدة المحددة له نتيجة أخطائه الجسيمة وتقصيره في تنفيذ التزاماته.
    -         القوة القاهرة بحيث يستحيل معها على الملتزم تنفيذ التزاماته.
    -         استرداد الامتياز عن طريق الشراء، وهي طريقة تفرضها الإدارة مانحة الالتزام وبشكل انفرادي وذلك بهدف تغيير الطريقة مثلا[33].

    ·       المطلب الثالث : التدبير المفوض.  La Gestion Déléguée

    يعتبر التدبير المفوض من الأساليب الحديثة لتسيير المرافق العمومية، و خاصة منها المحلية، و قد ظهر مصطلح تفويض المرفق العمومي أول الأمر بفرنسا سنة 1987 في دورية 7 غشت 1987 المتعلقة بتدبير المرافق المحلية، و استخدم المشرع الفرنسي تفويض المرفق العام délégation du service public   في قانون 6 فبراير 1992 الخاص بالإدارة اللامركزية للجمهورية، حيث يفرض هذا القانون بعض الشروط الإجرائية في إبرام عقود تفويض المرفق العام من قبل الجماعات المحلية، كما يقر مبدأ العلانية السابقة، غير أن قانون 29 يناير 1993 الخاص بالوقاية من الرشوة و وضوح الحياة الاقتصادية و المساطر العمومية، قطع شوطا كبيرا في تطور الفكرة، حيث وسع نطاق عقود تفويض المرافق العامة إلى العقود التي يبرمها كل شخص عام،كما استخدم المشرع نفس المصطلح في القانون الصادر في 2 فبراير 1995 المتعلق بتقوية البيئة، و قانون 4 فبراير 1995 المتعلق بالصفقات العمومية، و تفويضات المرفق العام[34].
    أما بالمغرب، فبدا بالتدبير المفوض من التسعينات، نظرا للتحولات الكبرى التي عرفها، و خاصة على صعيد الشأن العام، إذ سيتم البدء في تطبيق مقتضيات قانون الخوصصة و الذي ادخل ثقافة اقتصادية جديدة في المغرب، و هكذا وقع المغرب أول عقد للتدبير المفوض سنة 1997 بين المجموعة الحضرية للدار البيضاء و شركة la lyonnaise des eaux و الذي تحول بموجبه تدبير مرفق توزيع الماء و الكهرباء و التطهير السائل لهذه الشركة لمدة 30 سنة.
    و يبقى لجوء السلطة العمومية بتفويت بعض القطاعات الحيوية للشركات الخاصة من اجل تسييرها نتيجة لعدة أسباب: فإذا كانت فرنسا قد لجأت لهذا الأسلوب لإعادة تأهيل المرافق العامة المحلية لان لفرنسا رهانات كبرى تتمحور حول الاتحاد الاروبي، فان اللجوء للتدبير المفوض بالمغرب، قد أملته التحولات الكبرى للنظام العالمي الجديد، و اكراهات المؤسسات المالية، حيث أصبح المغرب مطالبا بتلميع صورته على الصعيد الداخلي و الخارجي[35]، بالإضافة إلى نهج الدولة سياسة التخلي ناهيك عن غياب الوسائل اللوجستيكية و قصور المقاربة الكلاسيكية البحتة في تسيير المرافق العمومية المحلية، خاصة إذا علمنا أن هذه الأخيرة تعاني من ضعف الاستثمار و سوء التدبير و ارتفاع تكاليف التمويل.
    كما انه و إذا كانت فرنسا قد حاولت تقنين التدبير المفوض و لو بطريقة غير مباشرة من خلال بعض القوانين[36]، فان المغرب كذلك أحال على أسلوب التدبير المفوض في بعض القوانين[37] على سبيل الإشارة فقط، و هكذا فالمغرب عرف التدبير المفوض كممارسة لما يناهز عشر سنوات حتى شهد تاريخ 14 فبراير 2006 ميلاد قانون 05-[38]54 المتعلق بالتدبير المفوض.
    و بالرغم من أن التاطير القانوني للتدبير المفوض بالمغرب لا يختلف عن نظيره الفرنسي، فالإشكال الذي يبقى مطروحا هو: لماذا لم يتم التوصل لنفس النتائج في ظل تجارب التدبير المفوض؟ لماذا فشلت التجربة المغربية؟ و نجحت في فرنسا؟
    و هذا لن يتأتى لنا إلا من خلال الإلمام بالتساؤلات التالية:
    ما هو التدبير المفوض و ما هي طبيعته القانونية و ما خصوصياته؟ و هل انعكست تجربة التدبير المفوض بشكل ايجابي أم سلبي على الحياة الاقتصادية و الاجتماعية؟ و ما مدى تأثير التدبير المفوض على المرفق العامة ككل؟
    الفرع الأول: الإطار القانوني لعقد التدبير المفوض

    إن صدور القانون 05-54 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العامة، يعد حدثا بارزا، حيث جاء في الوقت المناسب لسد فراغ تشريعي في مجال تسيير المرافق العامة، و ضبط سلوكيات و ممارسات تواترت في غياب تام لمقتضيات قانونية خاصة بهذا الأسلوب.
    و يجسد التدبير المفوض إحدى الحالات النادرة في بلادنا، و التي تكشف عن تأخر القانون عن الواقع، إلا أن المشرع تدارك ذلك و وضع إطارا قانوني عام و واضح ارتقى بأسلوب التدبير المفوض إلى المستوى المؤسساتي، حيث أصبح هذا الأسلوب خاضعا لتنظيم محكم و مفصل، يطبق على مراكز الأطراف المعنيين به، و يضبط علاقتهم، و يحدد نوعية و مستوى الخدمات المقدمة للمرتفقين.
     و سنحاول تفصيل ذلك  من خلال مقارنته بمثيله في فرنسا  من خلال  الطبيعة القانونية  و الفقهية لعقد التدبير المفوض.
    * الطبيعة القانونية و الفقهية لعقد التدبير المفوض
    لم يقم المشرع المغربي أو الاجتهاد القضائي بإعطاء أي تعريف للتدبير المفوض باستثناء ما تم التنصيص عليه في المادة 39 من الميثاق الجماعي 78.00  والمعدل بموجب قانون  17.08حيث تم ذكر المرافق و التجهيزات العمومية المحلية التي يقرر المجلس في طريق تدبيرها عن طريق الوكالة المباشرة و الوكالة المستقلة و الامتياز و كل طريقة أخرى من طرق التدبير المفوض للمرافق العمومية طبقا للأنظمة المعمول بها.
    و إلى حدود سنة 2004 لم يكن هناك أي قانون يقوم بتنظيم عقود التدبير المفوض، و بذلك ظلت الترسانة القانونية مبتورة علما أن مجموعة من المرافق العمومية قد تم تفوت تدبيرها للخواص.
    1- تعريف التدبير المفوض:
    يعرف القانون الجديد الخاص بالتدبير المفوض[39] هذه التقنية بمثابة عقد يفوض بموجبه شخص معنوي عام يسمى "المفوض"، لمدة محدودة، تدبير مرفق عام يتولى مسؤوليته إلى شخص معنوي عام أو خاص "المفوض إليه"، و الذي يصبح في حكم المخول له تحصيل أجرة من المرتفقين أو تحقيق أرباح من التدبير المذكور أو هما معا. مؤكدا أن العقد قد يكون موضوعه أيضا في السياق ذاته انجاز أو تدبير منشاة عمومية أو هما معا تساهم في مزاولة نشاط المرفق العمومي المفوض.
    و بالرجوع إلى مختلف التعريفات التي حاولت مقاربة مفهوم التدبير المفوض و تحديد مدلول هذا الأسلوب في تدبير المرافق العامة، نجد الأستاذ احمد بوعشيق قد عرفه بأنه عقد إداري تعهد السلطة المفوضة للمفوض له، داخل المجال الترابي المحدد في مدار التفويض باستغلاله و تدبير المرفق العام الصناعي و التجاري المحلي لمدة محددة تنتهي بانقضاء مدة العقد.
    وقد عرفه الأستاذ محمد يحيا بأنه عقد إداري تعهد السلطة المفوضة للمفوض له داخل المجال الترابي المحدد في مدار التفويض باستغلاله و تدبير المرفق العام الصناعي و التجاري المحلي لمدة تنتهي بانقضـاء العقد. [40]
    و اعتبره الأستاذ عبد الله حداد: طريقة جديدة من بين الطرق المعتمدة لتسيير المرافق العامة، تتشابه مع عقد الامتياز، و تختلف عنه لان المدة الزمنية لعقد الامتياز تكون أطول، كما أن الملتزم يتعهد بتوفير الأموال و المستخدمين بينما في التدبير المفوض تبقى التجهيزات في ملكية الإدارة، كما يحتفظ المفوض له بالمستخدمين مع مراعاة حقوقهم [41].
    في حين عرفه الأستاذ محمد اليعقوبي: كل تدبير لمرفق عام بواسطة شخص معنوي خاص، و غالبا ما يوكل تفويض تدبير المرافق العامة للخواص و التدبير المفوض بغطي مختلف طرق التسيير التقليدية مثل عقود الامتياز و الوكالة و مختلف اتفاقيات التفويض الذي يختلف مداه بين حد أقصى و حد ادني.
    هذه المقاربة و إن كانت صحيحة إلى حدود صدور القانون الجديد المتعلق بالتدبير المفوض فقد أصبحت متجاوزة لاسيما و أن القانون الجديد يتبنى تصورا جديدا للتعاقد مع شخص معنوي عام أو خاص مما يصبح معه استحالة تعريفه من خلال نظام الامتياز.
    فالتدبير المفوض أصبح له مفهوم اعم يجمع بين جميع الأشكال الاستغلالية الانجازية و التدبيرية للمرافق العمومية.
    و في نفس السياق، فان مختلف التعريفات التي حاولت مقاربة التدبير المفوض للمرافق العامة نجد أن أهم ما يميزها هو التناقض و عدم وضوح ماهية هذا الأسلوب، حيث اغلب تلك المقاربات تندرج في إطار الأشكال التقليدية المختلفة للتسيير المفوض كالامتياز و العقود الأخرى المتفرعة عنه كما هو الشأن في القانون الفرنسي.
    ففي قراءة متأنية لهذه المقاربات تقود إلى اللبس قياسا على ما دأب عليه الفقه الفرنسي في مقارباته للموضوع، فالتسيير المفوض بما لا يدع مجالا للشك هو شكل جديد ينفرد عن الأشكال التقليدية ببعض العناصر الجوهرية التي حددها المشرع في القانون الإطار لعقود التدبير المفوض.
    و على هذا الأساس، يمكن الجزم بكون التدبير المفوض يعتبر عقد إداري أملته معطيات عملية، و بالتالي فتطبيقاته من خلال التجربة المغربية بعيدة كل البعد عما هو وارد في التشريع، القضاء و الفقه الفرنسي، و لعل الهاجس الأساسي بالنسبة للمغرب يبقى دعم المنافسة لتكريس الشفافية و توفير كل الشروط المناسبة لانجاز هذه المقاربة الجديدة في إسناد عقود التدبير المفوض، خصوصا بعد ظهور العديد من الاختلالات و الانتقادات التي وجهت للنماذج التقليدية مما يدفع بالمشرع باستحداث هذه التقنية الجديدة.
    2- المفهوم القضائي لعقد التدبير المفوض:
    إن التدبير المفوض لا يعني الخوصصة النهائية، بقدر ما يعني تفويض التدبير فقط دون التنازل عن القطاع الذي يظل خاضعا لملكية المجلس الذي له وحده الحق في التصرف فيه و في ملكيته، أما الطرف المفوض له فلا يجوز له التصرف في المرفق بالبيع أو الشراء أو التنازل عليه لصالح الغير.
    تأسيسا على ما سبق يمكن القول بان التدبير المفوض كوسيلة حديثة للنهوض بالشأن المحلي و تمكين المواطنين من الحصول على جودة أفضل في الخدمات المقدمة على مستوى المنتوج و الأداء و على مستوى المحيط البيئي العام للمدينة و يقوم على مجموعة من المبادئ.
    فعلى مستوى الاجتهاد القضائي الفرنسي، اقر مجلس الدولة عدة مبادئ نذكر منها:

    لا يجوز لبعض الهيئات العمومية أن تتنازل عن اختصاصها لفائدة شخص خاص، كتفويض اختصاصات الغرف الفلاحية أو مهام الشرطة لصالح الأشخاص الخاصة.
    السلطة المفوضة تلتزم بمراقبة المفوض له لكي يحترم قواعد المرفق العام، فان رفض تطبيقها يحق للمستفيدين من المرفق أن يرفعوا دعوى ضده.
    يجوز للسلطة المفوضة أن تعدل شروط تنفيذ العقد كما يجوز لها أن تضع نهاية لعقد التدبير المفوض.
    يعتبر عقد الانتداب عقدا إداريا و هذا هو الرأي المسلم به في الفقه الفرنسي، الذي اعتبر أن عقود التدبير المفوض هي بالضرورة عقود إدارية لكونها تتضمن معايير العقود الإدارية.
    و من الناحية القضائية أكد القضاء الفرنسي انه يكفي لتقرير الصفة الإدارية للعقد أن يكون موضوعه يتعلق بتنفيذ مرفق عام، دون البحث فيما إذا كان العقد يتضمن شروطا استثنائية أم لا.


    الفرع الثاني: خصوصيات عقد التدبير المفوض
    إن التدبير المفوض باعتباره عقدا إداريا يتضمن محددات تؤطر تمايزه عن باقي الأشكال الأخرى كالامتياز و الاستئجار و الإنابة، كما انه يتميز بنظام قانوني يجسد المبادئ التي يقوم عليها هذا العقد، و يحتوي عقد التدبير المفوض على مجموعة من العناصر الجوهرية التي تعد المرجعية الأساسية المكونة للعقد و هي: الاتفاق، دفتر التحملات و الملاحق، و عليه للوقوف على خاصيات عقد التدبير المفوض يجب التطرق إلى طرق إبرام العقد، مدته و نوعية الرقابة المطبقة على هذا النوع من العقود دون أن ننسى الحديث عن حقوق و واجبات المفوض إليه.
    1- طريقة إبرام العقد:
    إذا كان عقد الامتياز يتم إبرامه بحرية، دون اللجوء أحيانا إلى مسطرة الإشهار و الإعلان عن المنافسة[42] نجد المشرع في عقد التدبير المفوض قد ألزم السلطة المفوضة بوضع دفتر التحملات الخاص بين المتنافسين، من اجل تحقيق اكبر قدر ممكن من الشفافية بل الجودة بالنسبة للمرتفقين.
    و في هذا الإطار نميز بين الطرق العادية و الاستثنائية لإبرام عقد التدبير المفوض.
    أ- الحالات العادية : كقاعدة عامة، و طبقا للمادة 5 من قانون 54.05: لاختيار المفوض إليه يجب على المفوض القيام بدعوة إلى المنافسة قصد ضمان المساواة بين المرشحين و موضوعية معايير الاختيار و شفافية العمليات و عدم التحيز في اتخاذ القرارات،  يجب أن تكون مسطرة إبرام عقد التدبير المفوض إشهار مسبق، كما أن أشكال و كيفيات إعداد وثائق الدعوة إلى المنافسة، و لاسيما خلال  مختلف مراحلها، بالنسبة للجماعات المحلية من قبل الحكومة، و بالنسبة للمؤسسات العمومية من قبل مجلس الإدارة أو الجهاز التداولي.
    يتضح من خلال هذه المادة أن تطبيق عقد التدبير المفوض يجب أن يخضع لمبدأ الموضوعية و الشفافية و المساواة عن طريق الإشهار و الإعلام عن المنافسة و ذلك تطبيقا لما جاء في مرسوم 30 دجنبر 1998 المتعلق بتحديد شروط و أشكال إبرام صفقات الدولة.
    و ما يميز عقد التدبير المفوض، مقارنة مع باقي العقود خصوصا عقد الامتياز كون ابرم عقد التدبير المفوض ينتم بطرق متعددة حيث يتم بحرية عن كريق المباراة، طلب العروض أو الاتفاق المباشر حسب الأحوال.
    و في هذا الصدد نجد فرنسا بدورها لم تخرج عن هذا الإطار، حيث تنص المادة 38 من قانون 29 يناير 1993 المتعلق بمحاربة الرشوة و شفافية الحياة الاقتصادية و الإجراءات العمومية على أن تفويض المرفق العمومي يتم وفق إجراءات تحترم الشفافية و الإشهار و تتم بناء على طلب العروض و في إطار منافسة محدودة[43] كما أن هناك مجموعة من القيود التي وردت على أسلوب التنافس و طلب العروض، فقانون 8 غشت 1994 أكد على عدم إخضاع العقود التي لا يتجاوز مجموع تحملات المفوض 1.35 مليون فرنك فرنسي للمنافسة و طلب العروض.
    ب- الحالات الاستثنائية[44]: مما لاشك فيه أن القانون حدد الحالات الاستثنائية لإبرام عقد التدبير المفوض، و ذلك عن طريق التفاوض المباشر[45] أو الاقتراحات التلقائية.
    فبالنسبة لاختيار المفوض إليه عن طريق التفاوض المباشر فيتم في الحالات الاستثنائية التالية:
    -         حالة الاستعجال قصد ضمان استمرارية المرفق العام.
    -         أسباب يقتضيها الدفاع الوطني أو الأمن العام.
    -         بالنسبة للأنشطة التي يختص باستغلالها حاملوا براءات الاختراع.
    -         بالنسبة للأعمال التي لا يمكن أن يعهد انجازها إلا إلى مفوض إليه معين.
    إن اللجوء إلى مسطرة التفاوض المباشر قد تكون في بعض الحالات نتيجة رفض المستثمرين التقدم بملفاتهم بسبب رفضهم القيام بذلك في إطار المنافسة، و من اجل ذلك أكد المشرع انه إذا كان المفوض جماعة محلية، و إذا تم الإعلان عن عدم جدوى الدعوة إلى المنافسة أو إذا لم يتم تقديم أي عرض يمكن للمفوض المذكور أن يلجا إلى التفاوض المباشر و ذلك بعد إعداد تقرير يبين فيه الأسباب التي أدت إلى اللجوء إلى هذه الطريقة و إلى اختيار المفوض إليه المقترح، و يعرض التقرير المذكور على مصادقة سلطة الوصاية على الجماعات المحلية لاتخاذ القرار بشان التدبير المفوض للمرفق العام المعني.
    كما يمكن اختيار المفوض إليه عن طريق الاقتراحات التلقائية[46]، حيث يمكن لأي شخص أن يقوم بتدبير المرفق العام بصفة تلقائية إذا كان يجيد استعمال تقنية أو تكنولوجيا من شانها أن تكون مفيدة في تدبير مرفق عام.
    2- مدة العقد:
    تنص المادة 18 من القانون 54.05 على انه " يجب أن تكون مدة كل عقد تدبير مفوض محددة، و يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في المدة طبيعة الأعمال المطلوبة من المفوض إليه و الاستثمار الذي يجب أن ينجزه، و لا يمكنها أن تتجاوز المدة العادية لاستهلاك الإنشاءات عندما تكون المنشاة ممولة من قبل المفوض إليه. لا يمكن تمديد مدة العقد إلا عندما يكون المفوض إليه ملزما  من اجل حسن تقنين خدمة المرفق العام أو توسيع نطاقه الجغرافي و بطلب من المفوض، بانجاز أشغال غير واردة في العقد الأولي، من شانها أن تغير الاقتصاد العام للتدبير المفوض و لا يمكن استهلاكها خلال مدة العقد المتبقية إلا مقابل رفع مفرط في الثمن بشكل جلي" ، من هنا نجد  القانون المغربي الجديد على غرار نظيره الفرنسي ل 29 يناير 1993 لم يحدد مدة العقد على سبيل الحصر.
    في حين كانت مدة عقد التدبير المفوض قبل صدور القانون 54.05 لا تتعدى 30 سنة، و لا تقل عن 5 سنوات استنادا لمختلف التطبيقات التي عرفها المغرب في هذا المجال ابتداء من سنة 1997[47].
    و عليه، انطلاقا مما سبق، يمكن القول أن مدة العقد منظمة على الأقل بالنظر إلى المهام المطلوب القيام بها من طرف المفوض إليه، أو بالنظر إلى قيمة و طبيعة الاستثمارات المنفذة. إذا كان المفوض إليه يتحمل مسؤولية الاستثمارات المنفذة في البنيات الأساسية على سبيل المثال، فان المدة قد تكون طويلة بما يمكن المفوض إليه انجاز المهام المعهودة إليه بتنفيذها، أما إذا كان الأمر يتعلق فقط بتسيير مرفق عمومي فان المدة و إن كانت قصيرة فهي كافية، و في جميع الحالات كما أكد ذلك المجلس الدستوري الفرنسي فالمدة مرتبطة بالحرية التعاقدية للأطراف المتعاقدة[48].
    و بمقتضى المادة 13 من القانون الجديد نجد المشرع المغربي قد أكد انه لزوما يجب أن تنحصر قصرا مدة التمديد على الآجال الضرورية لإعادة توفير شروط استمرارية المرفق أو التوازن المالي للعقد على أن هذا التمديد غير وارد إلا مرة واحدة، مع تبرير ذلك في تقرير يعده المفوض و أن يكون موضوع عقد ملحق يعقد التدبير المفوض، و في جميع الحالات فان هذا التمديد غير وارد من قبل الجماعات المحلية و هيأتها إلا بعد مداولة خاصة للجهاز المختص.
    كما يجب نشر عقود التدبير المفوض في الجريدة الرسمية بالنسبة لجميع المؤسسات العامة و الجماعات المحلية، و أن يتضمن ذلك صفات المتعاقدين و موضوع التفويض و مدته و محتواه. و ذلك تجسيدا لمبدأ الشفافية و الوضوح.
    فيما يخص إنهاء عقود التدبير المفوض، فإنها تتم إما بطريقة طبيعية بعد انتهاء مدة العقد أو قد يتم استرجاع المرفق قبل انتهاء مدة العقد، وهو ما تنص عليه المادة 46 من عقد التدبير المفوض مع لاليونيز دي زو بالدار البيضاء، و المادة 70 من عقد التدبير المفوض لريضال بالرباط، إما بناء على اتفاق الطرفين، أو أن تقوم السلطة المفوضة باسترجاع التفويض عن طريق الشراء بعد مرور مدة محدودة باتفاق الطرفين. و تصل هذه المدة في كل من عقد لاليونيز دي زو و ريضال إلى 15 سنة حسب المادة 41 من العقد الأول و المادة 71 من العقد الثاني.
    كما يمكن إنهاء عقد التدبير المفوض في حالة ارتكاب المفوض إليه خطا جسيما، أو فسخ العقد نتيجة ارتكاب المفوض لخطأ بالغ الجسامة. كما تعد القوة القاهرة سببا منطقيا لفسخ العقد، و عموما فان إنهاء  التدبير المفوض يحدد بموجب عقد يتضمن اتفاقية بين المفوض له و السلطة المفوضة و دفاتر التحملات و ملحقات، تحدد جميعها العلاقة بين السلطة المفوضة و المفوض له.
    3- شكل الرقابة:
    إذا كانت الأساليب التقليدية لتدبير المرافق العامة كالامتياز، تخضع من حيث الرقابة لظهير 14 ابريل 1960 المعدل بقانون 69.00 المتعلق بالرقابة المالية للدولة على المؤسسات العمومية و الشركات ذات الامتياز، و المنظمات المستفيدة من الدعم المالي العمومي، فان عقود التدبير المفوض  تخضع بالإضافة إلى رقابة المجالس الجهوية للحسابات طبقا للفقرة الثانية من المادة 118 من قانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية و رقابة المجلس الأعلى طبقا للمادة 25 المنظم له، لرقابة لجينة الضبط أو لآليات الافتحاص الخارجي و التدقيق، بمبادرة من وزير الداخلية و الوزير المكلف بالمالية[49].
    كما ينفرد المفوض تجاه المفوض إليه بسلطة عامة للمراقبة الاقتصادية و المالية و التقنية و الاجتماعية و التدبيرية المندرجة في إطار الالتزامات المتبادلة المترتبة على مقتضيات العقد[50].
    و في هذا السياق يتمتع المفوض بكيفية مستمرة بجميع سلط المراقبة للتأكد من خلال المستندات و بعين المكان من حسن سير المرفق المفوض، و سلامة تنفيذ مقتضيات العقد، إذ يجب أن يتضمن عقد التدبير المفوض دورية و أشكال المراقبة.
    كما يمكن للمفوض أن يحضر بصفة استشارية اجتماعات مجلس الجهات المكلفة بالتفويض و كذا في الجمعيات العامة للشركة المفوض إليها. إلا إذا نص عقد التدبير على خلاف ذلك، و أن أي عرقلة لهذه المراقبة، تعرض المفوض إليه للزجر.
    أما ما يتعلق بتتبع التدبير المفوض[51]، فيتم عبر هياكل ينص عليها عقد التدبير المفوض، و يحدد اختصاصاتها و صلاحيتها. و يحدد نظام داخلي كيفيات سير هذه الهياكل.
    و فيما يخص المراجعات الدورية[52] فأكد المشرع على ضرورة تنصيص العقد على عقد اجتماعات بين المفوض و المفوض إليه، وفق فترات منتظمة، للنظر في مدى تقدم تنفيذ العقد، كما يجوز أن يرخص العقد للمفوض و المفوض إليه بإعادة النظر في شروط و سير التدبير المفوض قصد ملاءمته مع الحاجيات عملا بمبدأ ملائمة المرفق العام.
    و من واجب المفوض[53] أن يتخذ جميع الإجراءات الضرورية لأجل حسن تنفيذ التدبير المفوض و المترتبة على الالتزامات التعاقدية و لاسيما في مجال التعريفات.
    و تكمن حجة المشرع في هذه المراقبة، في كون المفوض له يدير مرافق عمومية حيوية تمس الحياة اليومية للمواطنين و أن أي إخلال يؤدي إلى نتائج وخيمة.
    كما تتضمن عقود التدبير المفوض في صيغتها الجديدة مقتضيات خاصة بالجزاءات، التي قد يتعرض لها المفوض إليه في حالة إخلاله بالتزاماته في إطار الصلاحية المعطاة للمفوض لتتبع و مراقبة عقد التدبير المفوض حسب المادة 19 من القانون الجديد للتدبير المفوض رقم 54.05، و تمتد تلك العقوبات لتشمل زجر عرقلة المراقبة التي يمارسها المفوض، و كذا زجر عدم الوفاء بالالتزامات المتعلقة بالإعلام و التواصل التي على المفوض إليه القيام بها. و تندرج في نفس السياق أحكام المادة 30 من القانون الجديد للتدبير المفوض الذي وضع في إطار المراقبة الداخلية نظاما بالإعلام و التدبير و المراقبة الداخلية و الإشهاد على الجودة.
    4- حقوق و واجبات المفوض إليه:
    إذا كان عقد التدبير يسمح للمفوض إليه أن برخص بكيفية تبعية للتعاقد من الباطن بشان جزء من الالتزامات التعاقدية خصوصا في مجال التعريفات، فانه يبقى مسؤولا بكيفية شخصية تجاه المفوض عن الوفاء بجميع الالتزامات التي يفرضها عقد التدبير المفوض، و ذلك باعتبار أن المشرع قد ألزم  المفوض إليه بتدبير مرفق عمومي على مسؤوليته و مخاطره.
    يتمتع المفوض إليه بمجموعة من الحقوق يمكن إجمالها في:
    وضع الملك العام رهن تصرف المفوض إليه: من حق المفوض إليه الحصول على حق لاحتلال الملك العام، و ذلك من السلطة المختصة، أي السلطة المفوضة من اجل تلبية حاجيات التدبير المفوض، و يرتبط ذلك بالعقد طيلة مدته، و هذا الحق يجد سنده القانوني في المادة 23 من قانون 54.05 .
    و بالتالي فمن واجب المفوض أن يقدم مساعدته اللامشروطة للمفوض إليه للحصول على هذا الحق، و نجد هذا الحق معمول به حتى في فرنسا، حيث يعمل المفوض على تقديم جميع المساعدات في هذا الباب للمفوض إليه قصد سير و استمرار المرفق و تحقيق مردودية أكثر و تقديم خدمة أفضل.
    حق المقابل المالي[54]: يعتبر حق المقابل المالي من ابرز و أهم الحقوق بالنسبة للمفوض إليه، حيث يمكن لعقد التدبير المفوض أن يأذن للمفوض إليه بتحصيل و استخلاص الرسوم من الأتاوى أو الأموال أو المساهمات لحساب المفوض أو الدولة و يبين كذلك دخول و حقوق الأتاوى بالنسبة للمفوض إليه، و في هذا الباب يتحدث مجلس الدولة الفرنسي في قرار له عن اجر ناجم جوهريا عن نتائج الاستغلال[55]، فإذا كان المفوض إليه يتقاضى ثمنا فالعقد يعتبر صفقة عمومية، أما إذا كان يحصل على وجيبات يؤديها المنتفعون، فالاتفاقية تنطوي على تدبير مفوض للمرفق العام[56]، و منه فمن واجب المفوض إليه الحصول على مقابل في شكل وجيبات مقابل ما يقدمه من خدمات للمرفق العام.
    و عموما فكيفما للمفوض إليه من حقوق، فانه في مقابل ذلك له واجبات تجاه المفوض و من أهم هذه الواجبات نجد:
    واجب الاحتفاظ بمستخدمي التدبير المفوض: فمن واجب المفوض إليه أن يحتفظ عند دخول تاريخ العقد حيز التنفيذ بالمستخدمين السابقين التابعين للمرفق المفوض مع الإبقاء و الاحتفاظ على حقوقهم المكتسبة، ما عدا إذا تم التنصيص على مقتضيات مخالفة في عقد التدبير المفوض.
    و في حالة إذا اعتزم المفوض إليه إدخال تعديلات هامة في إعداد المستخدمين المذكورين، فانه يجب التنصيص على ذلك في عقد التدبير المفوض من حيث مستويات هذه التعديلات و كيفيات إجرائها، و ذلك مع احترام التشريع الجاري به العمل، و نجد هذا الأمر حتى في فرنسا، حيث يعتبر الاحتفاظ بالمستخدمين من بين شروط و أركان عقد التدبير المفوض، إذا غاب هذا الشرط زاغ معنى التدبير المفوض و تحول إلى عقد آخر.
    واجب التراخيص و التأمينات[57]: إن عقد التدبير المفوض لا يعفي منح المفوض إليه من الحصول على التراخيص المطلوبة قانونا، و لاسيما في مجال التعمير و احتلال الملك العام و السلامة و حماية البيئة.
    ففي هذا المجال يكون المفوض إليه مجبرا على سلك جميع المساطر و الإجراءات القانونية لكي تكون تصرفاته قانونية و صحيحة.
    كما يجب على المفوض إليه ابتداء من دخول عقد التدبير المفوض حيز التنفيذ أن يغطي طيلة مدة العقد تحت مسؤوليته المدنية و المخاطر التي قد تترتب على أنشطته بواسطة عقود مكتتبة بصفة قانونية.
    و في مجال التامين فان فرنسا كانت رائدة في هذا الصدد، و كان التامين يعتبر من أولى الأولويات، بل اغلب الشركات الموجودة في المغرب في ميدان التامين هي شركات فرنسية و منها شركة "أكسا للتامين" و هذا يبين وعي المشرع الفرنسي بالتامين ضد المخاطر التي يمكن أن تقع فجأة و بطريقة غير متوقعة.
    أما فيما بتعلق بالعقوبات و التعويضات، فان عقد التدبير المفوض هو الذي يعد بمثابة المرجع الأساسي بهذا الخصوص، حيث بمقتضاه يتم تحديد وفق كل فرضية العقوبات التي يتخذها المفوض تجاه المفوض إليه، فغي حالة إخلاله بالتزاماته أو مخالفة البنود التعاقدية لاسيما الجزاءات و التعويضات عن الأضرار، و قد يذهب الأمر بالأشياء إلى حد إسقاط حق في تدبير المرفق المفوض إليه كأقصى جزاء.
    مسطريا، يجب توجيه إنذار إلى المعني بالأمر، وفق شروط منصوص عليها في عقد التدبير قبل تطبيق أي عقوبة، و للمفوض إليه الحق في التعويض في حالة إخلال المفوض بالتزاماته و بسبب فسخ العقد لظروف خارجة عن إرادة المفوض.
    و خلاصة القول أن النمودج الفرنسي لا يمكن تطبيقه على التجربة المغربية لاختلاف مفهوم التدبير المفوض في التشريع الفقه والقضاء الفرنسي عن مثيله في المغرب الذي أملته اعتبارات مصلحية و هو ما يفسر إبرام العقد بناء على أسلوب الاتفاق المباشر.
     في فرنسا هناك تداخلا إلى حد كبير لطرق تدبير المرفق العام مع عقد التدبير المفوض، ورغم ذلك فهذا الأخير بقي يكتنفه الكثير من الغموض.                                                                                                          
    ففي إطار عقد الامتياز يتكلف الملتزم بانجاز كل أو جزء من الأشغال التي تعد ضرورية لسير المرفق موضوع العقد، كما يقوم بتمويل الاستثمارات التي كلف بها وهو ما يتطلب مدة زمنية طويلة شيئا ما، تتراوح بين 30 سنة و99 سنة إضافة إلى أنه يتحمل خسائر ومخاطر المشروع، ويحصل على مقابل مالي نظير أعماله من المستفيدين من المرفق. في حين أن عقد التدبير المفوض هو عقد له طبيعة اتفاقية، مثلما الشأن هو بالنسبة لعقد الامتياز، ومن جهة أخرى فإن موضوع التدبير المفوض ينصب على تسيير المرافق الاقتصادية والخدماتية المحلية، في الغالب وفيما يخص عقد الاستئجار، فمن المعلوم أن القوانين الفرنسية تعتبر صور تفويض المرفق العام، والذي في إطاره يتكلف المستأجر بالقيام بالأشغال الأولى للانطلاقة،  فإن المستأجر يلتزم بدفع مقابل مالي للسلطة المفوضة، من حصيلة ما يتقاضاه من المنتفعين وذلك حينما يمكن له استغلال قيمة التجهيزات والإنشاءات التي قام بتنفيذها، وهذا المقابل الذي يدفعه المستأجر يعتبر أحد الخصائص المميزة لعقد الإيجار. في حين نجد المفوض إليه في عقد التدبير المفوض إما يتقاضى مقابلا من المنتفعين أو تحقيق أرباح من التدبير المذكور أو هما معا. وتبقى الإشارة إلى أن بعض الفقه اعتبر هذه الإتاوة هي مقابل حق استغلال، أو أنها نظير الصفة الربحية للمرفق غير أن هذا التكييف يبدو غير دقيق، لأن التكييف الصحيح للإتاوة هو اعتبارها كمقابل يسمح للمستأجر باستهلاك المنشآت التي وضعت تحت تصرفه، وكذا مقابل لاستهلاك قيمة الأقساط السنوية للقروض التي تعاقد عليها من أجل تنفيذ هذه الإنشاءات.                                             

    خاتمة
    في إطار محاولات الدولة المتواصلة للخروج من دائرة الروتين الإداري و القانوني الملازم لمرافق الدولة العمومية لم تدخر جهدا في تحديث الترسانة القانونية المنظمة للمرافق العامة فحذت حذو نظيرتها الفرنسية نحو إحداث و تطوير الأساليب الجديدة في إدارة و تدبير المرافق العمومية لكن أوجه الاختلاف بين التجربتين المغربية و الفرنسية جد متباعدة لان ما يميز المرافق العمومية بالمغرب هو افتقادها لما يسمى بالرقابة الفعالة سواء على العنصر البشري الذي يعد ركيزة أساسية من ركائز التنمية المستدامة و التي تفتقر المرافق العامة له أو على المال العام الذي لا يتم تدبيره بشكل جيد، و بالتالي فان هذا التنوع في طرق إدارة المرافق العمومية بالمغرب يجب أن يواكبه تفعيل  للرقابة الفعالة و الناجعة سواء الإدارية أو القضائية و أن هذه المرافق تبقى باستمرار قابلة للتطور و خاضعة للتقويم على مستوى القوانين و الأدوات و بالطبع على مستوى العنصر البشري أيضا.
















    هذا النص هو مثال لنص يمكن أن يستبدل في نفس المساحة، لقد تم توليد هذا النص من مولد النص العربى، حيث يمكنك أن تولد مثل هذا النص أو العديد من النصوص الأخرى إضافة إلى زيادة عدد الحروف التى يولدها التطبيق

    الكاتب : yassirrrr

    Aucun commentaire:

    Enregistrer un commentaire

    جميع الحقوق محفوظة ل MarocDroit Avocat
    تصميم : Abdo Hegazy