مفهوم قرينة البراءة لدى القضاء الجنائي
الفصل الأول : القضاء الواقف – النيابة العامة
المبحث الأول: مبادئ النيابة العامة
سمي القضاء الواقف بهذا الإسم نظرا لكونه يقدم ملتمساته أثناء المحاكمة بعد وقوفه أمام قاضي الحكم. والقضاء الواقف هو ما يصطلح عليه باسم جهاز النيابة العامة في المغرب وكذلك الجمهورية المصرية وجل الدول العربية، ونظرا لما لهذا الجهاز من أهمية واسعة على صعيد تحريك وممارسة الدعوى العمومية بل ومتابعة المتهم حتى خلال تنفيذه للعقوبة في حالة إدانته، فإننا نرى ضرورة التعريف بهذا الجهاز والإشارة إلى وضعيته القانونية وكذلك طرح مجمل الإشكاليات والانتقادات التي تطرحها طبيعة هذا الجهاز وكذلك المبادئ الأساسية التي يقوم عليها وكذلك السلطات المخولة لأعضاء هذا الجهاز.
وبناءا على ما سبق نرى ضرورة الإشارة إلى المبادئ التي يقوم عليها جهاز النيابة العامة والتي لها علاقة بمبدأ البراءة المفترضة في المتهم (المبحث الأول) حتى وإن كانت هذه العلاقة غير مباشرة وفي (المبحث الثاني) سنحاول استعراض بعض سلطات النيابة العامة وذلك تحت إطار نفس المبدأ، وتحقيقا لفكرة عدم الخروج عن النص المطلوب سنقوم بالاقتصار على السلطات التي تهدف إلى التعريف بتوجه المشرع من حيث الأخذ بالمبدأ والتنصيص عليه في المادة الأولى من المسطرة الجنائية وإغفاله لبعض المفاهيم والتي تنم عن نية مبيتة ضد هذا المبدأ.
المطلب الأول: مبدأ وحدة جهاز النيابة العامة.
يهدف هذا المبدأ إلى الإقرار بتكافل وتكاتل أعضاء هذا الجهاز وكونهم يعبرون عن رأي واحد، بل ذهب المشرع بعيدا إلى حد اعتبارهم كالشخص الواحد، وهذا بالضبط ما يثير نقمة كثير من فقهاء القانون الجنائي وأعمدة مجال المسطرة الجنائية، حيث أن هذا المبدأ يحمل في طياته خرقا علنيا لمبدأ قرينة البراءة وذلك من خلال منح النيابة العامة صلاحية تغيير أعضئها بالنسبة للملف الواحد دون أن يؤثر ذلك على إجراءات المحاكمة حيث يمكن لأحد قضاة النيابة العامة (بناءا على هذا المبدأ) أن يقوم بإعداد بحث تمهيدي ويعمد قبل إنهاءه إلى تغيير هذا الأخير واستبداله بقاضي آخر يتابع هذا البحث أو أنه يقوم بممارسة الدعوى العمومية أمام القضاء. والأدهى أنه قد يطالب بإيقاع أقصى العقوبات على المتهم رغم أن كل ما لديه من معلومات عن القضية هو ما تضمنه ملف القضية الذي يمكن أن يكون قد تسلمه قبل بدء المحاكمة بساعات أو دقائق محدودة لا تكفي سوى لرؤية الخطوط العريضة للجريمة.
ولا نغفل إشارة المشرع لضرورة مراعاة الاختصاص المكاني والنوعي لقضاة النيابة العامة داخل هذا المبدأ، والتي لا أعتبر شخصيا أن لها أهمية سوى من حيث حفظ هيبة قاضي النيابة العامة أمام نظيره من دائرة أخرى. وكنا نود لو أن المشرع رتب جزاء البطلان على الإجراءات أو المحاكمة ككل في حالة عدم مشاركة نفس قاضي النيابة العامة في جميع مراحل الدعوى وذلك تيمنا بموقفه مع قضاء الحكم.
وبما أن دور النيابة العامة لا يقل أهمية عن دور قاضي الحكم، بل أنه وفي نظر أغلب المهتمين بالمجال الحقوقي فإنها تعتبر حاضرة وبقوة وذلك لمعايشة هذا الجهاز للجريمة من اللحظة الأولى لوقوعها وإلى غاية صدور الحكم ولكون ملتمساتها تؤثر على قرار القاضي إيجابا وسلبا.
وهذا المبدأ يخلف نتيجة هامة جدا وهي اعتبار الإجراء الذي يقوم به أحد أعضاء النيابة العامة خلافا لتعليمات رئيسه، يعتبر صحيحا ويلزم جهاز النيابة العامة بأكمله، ولا يحق للرئيس أن يلغيه، كل ما في الأمر أن المرؤوس يمكن أن يتعرض للمساءلة التأديبية بسبب عدم انضباطه الإداري ومخالفته لتعليمات رئيسه( ).
_____________________________
– “شرح قانون المسطرة الجنائية”، منشورات وزارة العدل، ج.1، ط.8، العدد 2، 2004، ص 158.
المطلب الثاني: عدم قابلية النيابة العامة للتجريح
سبق القول بأن لجنة واضعي المدونة تكونت أغلبها من قضاة النيابة العامة وهذا ما جعل هذه اللجنة تبالغ نوعا ما في حماية نفسها من الأغيار عن طريق تمتيع أنفسهم بحصانة مهمة جدا، وكذلك لكون المشرع وفي سياسته العامة يود تعزيز وتقوية مركز النيابة العامة في المجتمع لاعتبارات سياسية لا تخفى عن الجميع وتكمن هذه الحصانة في عدم قابلية أعضاء هذا الجهاز للتجريح وبالتالي عدم إمكانية إبعاد قاضي النيابة العامة عن ممارسة القضية أمام المحاكم وذلك بناءا على طلب المتهم في حالة تحقق وجود مصلحة مرتبطة بهذا القاضي بشكل مباشر أو غير مباشر مع الإشارة إلى ما يقتضيه هذا من مساس فادح بمبدأ البراءة المفترضة وهذا ما سنعمل على توضيحه من خلال الأسطر القليلة اللاحقة.
فقد نصت المادة 274 من قانون المسطرة الجنائية على أنه «لا يمكن تجريح قضاة النيابة العامة»، فاعتبارا لكون قاضي النيابة العامة في نهاية المطاف أنه إنسان لا يخلو أن يكون اجتماعيا بطبعه فقد تربطه علاقة أو صلة أو مصلحة مباشرة أو غير مباشرة بأفراد المجتمع الذي قد يقع أحدهم ضحية عمل إجرامي يعمد قاضي النيابة العامة إلى تولي القضية في حالة كونها ضمن اختصاصه المكاني والنوعي طبعا والقيام بصلاحياته وسلطاته حيث يمكنه وضع المتهم تحت الحراسة النظرية أو غيرها من الإجراءات المخولة له، وقد اعتمد واضعوا المدونة كمبرر لهذه الوضعية بأن قضاة النيابة العامة هم قضاة عادلون يتميزون بالنزاهة والحياد وكأننا بهؤلاء القضاة ملائكة تمشي على الأرض. وهذا الوضع يدل عن طريق المخالفة بأن قاضي الحكم لا يتميز بالنزاهة والحياد حيث نجد أن المادة 273 من قانون المسطرة الجنائية نصت على إمكانية تجريح قضاة الحكم في حالة ثبوت علاقة أو مصلحة تربطهم مع الضحايا أو على العكس من ذلك في حالة وجود علاقة بين القاضي والمتهم الماثل أمامه. ولا نغفل الإشارة إلى أن المشرع اعتبر أن قضاة الحكم لهم خصوصيات تميزهم عن قضاة النيابة العامة وهي أنهم يملكون سلطة الحكم مباشرة على المتهم وهذا ما دعا إلى إمكانية تجريحهم، إلا أن هذا القول مردود على أصحابه من خلال التفحص الدقيق لنصوص المسطرة الجنائية والتي جاء فيها أن قضاة النيابة يمارسون سلطاتهم والتي تدخل ضمنها سلطات تمس بحرية المتهم وحقوقه هذا من جهة، إضافة إلى أن للمحاضر والإجراءات التي يتخذها قاضي النيابة العامة تأثيرها الذي لا يخفى على اقتناعات قاضي الحكم وبالتالي قراره، وإن هذا التضارب كبير ينم إما عن قصد واضح لتقوية مركز النيابة العامة في المجتمع مع إهدار حق المواطنين في الدفاع عن مصالحهم، وإما أنه ينم عن ضعف تكوين واضعي المدونة من الناحية القانونية. إن مبدأ قرينة البراءة يفرض أن تتم محاكمة المتهم بشكل عادل ونزيه يعبر عن رغبة حقيقية في إيقاع العقوبة على الفاعل الأصلي وليس المتهم الذي لم تتم إدانته بعد، ولا نريد أن نغفل مصدر هذا المبدأ والذي يتمثل في اعتبار النيابة العامة كخصم وطرف آخر في القضية. وهذا ما يثير بدوره تساؤل عريض، فكيف يمكن لخصم ما أن تكون له سلطات في مواجهة الخصم الآخر؟ بل الأكثر من ذلك إن قضاة النيابة العامة يعتبرون كممثلي المجتمع والمطالبين بحقوقه، فهل يعتبر المتهم خارجا عن المجتمع؟
المطلب الثالث: عدم ارتباط النيابة العامة بمطالبها
لقد خول المشرع للنيابة العامة حقا لا نرى له سوى أنه يعزز قرينة البراءة من الناحية النظرية على الأقل، حيث يمكن للنيابة العامة حسب هذا المبدأ أن تقوم بتغير مطالبها مرة بل وعدة مرات حسب ما تراه ملائما، ذلك أن الأصل هو كون النيابة العامة تطالب بتوقيع عقوبات على المتهم نظرا لكونها طرف أصلي في الدعوى ولكونها هي من قامت بإحالة الملف على القضاء، إلا أن مصلحة المتهم ومن تم إثبات براءته قد تأتي على يد النيابة العامة من خلال ما تقدمه من أدلة توصلت بها تثبت عدم ارتكاب المتهم للجريمة وبالتالي تطالب ببراءته. وأهمية هذه الخاصية تكمن في ما تخوله للنيابة العامة من قدرة على تدارك هفواتها وضمان لها من حيث عدم إمكانية محاسبتها عن التناقض الحاصل بين موقفيها الأول والثاني( ) ولولا وجود هذا المبدأ لكان لزاما على النيابة العامة أن تبقى على مطالبها حتى ولو علمت بل وتأكدت من براءة المتهم ووجود متهم آخر يستحق العقاب وكونه الفاعل الحقيقي، إن هذا المبدأ يؤكد على أن النيابة العامة لا تبقى على مطالبها حتى ولو إن علمت على التأكد من براءة المتهم ووجود متهم آخر يستحق العقاب كونه الفاعل الحقيقي، إن هذا المبدأ يؤكد على أن النيابة العامة لا يمكن مسائلتها إذا ما قدمت على تغير مطالبها من طلب بإيقاع أقصى العقوبات إلى طلب إخلاء السبيل وذلك حماية للنيابة العامة حتى لا تخاف العقاب وتفضل السكوت عن الحق على الوقوع في شرك العقوبات التأديبية لمخالفتها لمبادئ القانون.
ورغم كل ما سبق ذكره فإن هذا المبدأ يبقى خالي المضمون من الناحية الواقعية، ذلك أن قضاة النيابة العامة لا نراهم يحركون ساكنا أثناء المحاكمات بل يكتفون بمطالبة المحكمة بتطبيق القانون، وهذا في نظرنا لا يعدو أن يكون فهما غالطا لمقتضيات المادة 49 والتي نصت على أنه «يطالب بتطبيق العقوبات المقررة في القانون» فبالنسبة لقضاة النيابة العامة أن كل ما يلزمهم هو المطالبة بهذا التطبيق مع أن مقصود المشرع يأتي على أساس أنها تطالب المحكمة بتطبيق مقتضيات القانون عمليا وليس قوليا، إذا ما ثبت لها أن الفاعل هو المتهم وليس إذا ما كان هناك شك. وحيث أن النيابة العامة تكتفي بما تم تقديمه من ملتمسات مع ملف القضية من خلال المحاضر وغيرها فلا نراهم يقومون بأي أعمال من شأنها أن تظهر الحقيقة.
______________________________
– محمد عياط: دراسة في المسطرة الجنائية المغربية، م.س. ص 80.
المطلب الرابع: النيابة العامة كطرف أصلي في الدعوى
إن مجرد الاعتراف بكون النيابة العامة كجهاز ينتصب على أساس أنه طرف أصلي في الدعوى العمومية، أي خصما في تلك الدعوى يعتبر حيفا بالمتهم وذلك من جهتين:
الجهة الأولى: أن النيابة العامة كجهاز لها سلطات على المتهم وهذا ما لا يبرره شيء كيفما كان، فإن الخصم «النيابة العامة» له سلطة إعداد الأدلة ومواجهة الخصم بها وكذلك ممارسة بعض السلطات وإن كانت استثنائية فلا يبرر ذلك ارتكابها من طرف هذا الخصم، وهذه السلطة تتمثل في إيداع المتهم بالسجن فكيف لشخص موضوع تحت رقابة هذا الجهاز أن يثبت براءته؟ بينما خصمه مطلوق السراح يبحث عن أدلته علاوة على كون هذا الخصم يتكون من جهاز كامل يخضع للدولة وما يترتب عن ذلك من إمكانيات مادية وبشرية في مواجهة ذلك الخصم الوحيد والذي لا حول له ولا قوة. ويعتبر تكافؤ الوسائل بين أطراف الدعوى العمومية كشرط أساسي من شروط المحاكمة العادلة، الذي يقتضي أن توضع رهن إشارة المتهم نفس الوسائل الموضوعة بيد النيابة العامة للمشاركة في أعمال التحقيق بما تخوله من حق في الاطلاع على المسطرة وإمكانية الاعتراض على الأوامر القضائية( ).
الجهة الثانية: إن النيابة العامة كجهاز يتمتع بالأفضلية على المتهم من حيث الموقع والقوة، فموقعها إلى جانب القاضي يعتبر أكثر مساس بالعدالة والمساواة بين الأطراف المتخاصمة حيث يعترف للنيابة العامة بالجلوس إلى جانب قضاة الحكم بينما يبقى المتهم في قفص الاتهام إلى حين استدعائه إلى منصة الشهود لاستجوابه، ناهيك عن تعامل أمن المحكمة مع هذا المتهم بفضاضة داخل ذلك القفص وقد بين المشرع أن المتهم يجب ألا يمثل أمام المحكمة إلا وهو مطلق السراح غير مقيد وهذا يعني بداهة علم المشرع بالانتهاكات التي تتم داخل قفص الاتهام حيث يكون المتهم محكوما عليه بأنه الفاعل من طرف أعضاء الأمن حتى قبل صدور الحكم، ونحن ومن هذا المنبر ومعنا بالطبع جل إن لم نقل كل الحقوقيين في كل البلاد نطلب من المشرع التدخل وإلغاء هذا الفرق اقتداءا بأغلب التشريعات الحالية سواء الغربية “فرنسا وأمريكا” أو بعض الدول العربية «كمصر والسودان والأردن» خاصة وأن فرنسا قد ذهبت بعيدا في هذا المجال حيث ألزمت قضاة النيابة العامة بارتداء زي المحامين باعتبارها محامي العامة أو محامي الشعب وهذا ما لا نراه في قانون المسطرة الجنائية بالمغرب، حيث يتمتع قاضي النيابة العامة بامتياز ارتداء زي قضاء الحكم.
فكيف لخصمين يتمتع أحدهما بكل الامتيازات المذكورة ولا يتمتع الآخر حتى بحق السراح المؤقت وإن كان يتوفر على ضمانات، حيث نص المشرع على أن النيابة العامة يمكنها أن تمتع المتهم بالسراح المؤقت إذا ما توفرت فيه ضمانات كافية للحضور مع الإشارة إلى أن المشرع نص في المادة 74 الفقرة الثانية على أنه «… كما يمكنه أن يعرض تقديم كفالة مالية أو شخصية مقابل إطلاق سراحه» ومعنى هذا النص أن كلا من الكفالة المالية والكفالة الشخصية تعتبر كضمان يمكن للنيابة العامة أن تخلي سبيل المتهم إذا ما توفر أحدها وإن كانت هذه الضمانات وردت على سبيل المثال لا الحصر، ولكن ومن حيث الواقع نجد أن النيابة العامة استغلت هذه السلطة إلى أبعد حد كنوع من أنواع التعسف في استعمال السلطة دون أي حسيب أو رقيب فيكفينا علما أنه فعليا وواقعيا أن النيابة العامة لم تصدر قرار إطلاق سراح أي متهم بناءا على الضمانات التي قدمها مهما كانت قوة هذه الضمانات بحجة عدم كفايتها في نظر هذه الأخيرة وهذا ما يجعلنا نتطلع إلى تعديل المشرع لعبارة وردت في المادة 74 الفقرة الأولى كانت هي سبب هاته الإشكاليات حيث نصت تلك المادة على أنه «… أو إذا لم تتوفر في مرتكبها ضمانات كافية للحضور، كما يمكنه أن يقدم للمحكمة حرا بعد تقديم كفالة مالية أو كفالة شخصية» فكون المشرع أورد كلمة “يمكنه” يعني أن للنيابة العامة الخيار في أمر منح السراح من عدمه وهذا بالضبط ما نتطلع إلى إلغائه وذلك بإبعاد هذه الكلمة والنص على إجبارية الأخذ بهاته الضمانات إذا ما جاءت كما نص عليها المشرع.
وتحتم علينا الأمانة العلمية أن نذكر بعض الأقوال التي تتردد في الشارع من ألسنة العامة أو حتى بعض الحقوقيين على اعتبار أن النيابة العامة في مسطرة استدعاء الشهود حسب آراءهم تستدعي شهود الإثبات فقط وأن شهود النفي يقدمون من طرف محامي المتهم. وهذا ما يبرر تسمية النيابة العامة في الشارع المغربي بإسم “الغراق” وهذا عكس ما ينبغي أن يكون حيث يفترض في النيابة العامة بحثها عن الحقيقة وتقديم جميع ما يثبتها من شهود إثبات أو نفي بل الأحرى بها أن تقدم أولوية لشهود النفي على شهود الإثبات اعتبارا لكونها نزيهة واعتبارا لإرساء المشرع لمبدأ البراءة المفترضة وتنصيصه عليه في الفصول الأولى من المسطرة الجنائية، إلا إذا كان هذا المبدأ من باب الحبر على الورق ليس إلا. وهذا إن كان يدل فإنما يدل على الطبيعة المتناقضة للنيابة العامة من حيث الواقع والقانون.
________________________________
– الأستاذة شادية السومي:”المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية” عدد 44-45، ماي -غشت 2002، ص82
المطلب الخامس: عدم استقلالية النيابة العامة
يطرح استقلال النيابة العامة عن باقي أجهزة الدولة عدة تساؤلات لا يهمنا في الوقت الحاضر إلا التساؤل عن استقلالها عن السلطة التنفيذية، والمتمثلة في وزارة العدل «وزير العدل بشكل شخصي» لما لذلك من تأثير على مواقف النيابة العامة في القضايا التي تمارسها وبالتالي على رأيها بل ومطالبها إن ما هو متعارف عليه في الأنظمة القانونية المقارنة هو استقلال النيابة العامة كجهاز عن أي سلطة لوزير العدل إلا من حيث الرقابة على الأعمال دون سلطة التوجيه التي تعني التدخل في خصوصيات هذا الجهاز والتأثير على مطالبه، وإن أهم ما يميز الوضع القانوني للنيابة العامة هي هشاشة وضعف وتبعية وضع النيابة العامة في علاقتها بالسلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل( ). ومن خلال تصفح المواد التي جاء بها قانون المسطرة الجنائية نجد أن المشرع قد أعطى لقضاة النيابة العامة وضعية مزدوجة أدت إلى وجود تضارب فقهي حول طبيعة جهاز النيابة العامة هل هو إداري أم قضائي؟
لقد انقسم الفقه في الإجابة على هذا التساؤل إلى قسمين:
الاتجاه الأول: وهو اتجاه يدافع عن الطبيعة القضائية للنيابة العامة وذلك بناءا على أن قضاة النيابة العامة هم قضاة يتم تكوينهم وتعيينهم بنفس طريقة قضاة الأحكام ويخضعون للقانون الأساسي لهذه الفئة وهذا ما يعاكس الاتجاه الآخر.
الاتجاه الثاني: وهذا الاتجاه يتمسك بكون النيابة العامة ذات طبيعة إدارية إلى حد إنكار أي صفة قضائية لهذا الجهاز وذلك بناءا على الأسباب التالية:
1 +خضوع جهاز النيابة العامة للتسلسل الإداري والذي يأتي على رأسه وزير العدل.
2 +التفريق بين قاضي الحكم وقاضي النيابة العامة من حيث الحصانة اتجاه العزل والنقل بالإضافة إلى خضوعهم لأوامر وزير العدل.
إن ما هو متفق عليه من طرف أغلبية الفقهاء هو الطبيعة المزدوجة والمختلطة لقضاة النيابة العامة، ولكن ما تأثير هذه الطبيعة المزدوجة على قرينة البراءة كمبدأ حساس يتأثر بموجب الوضعيات المختلفة التي يتخذها جهاز النيابة العامة؟
لقد نصت المادة 38 من قانون المسطرة الجنائية على أنه «يجب على النيابة العامة أن تقدم ملتمسات كتابية، طبقا للتعليمات التي تتلقاها… وهي حرة في تقديم الملاحظات الشفهية التي ترى أنها ضرورية لفائدة العدالة» إن مضمون هذا النص يذهب إلى الإقرار بضرورة تبني النيابة العامة لوجهة نظر وزير العدل على الأقل في ملتمساتها الكتابية حيث لا يمكن لقضاة النيابة العامة أن تقوم بتقديم ملتمسات تخالف رأي وتوجه وزير العدل الذي يأتي رأيه أساسا متأثرا بتوجه سياسي معين لا يكترث لبراءة المتهم. وهذا ما يؤدي عمليا إلى شل حركة قضاة النيابة العامة وإن كان المشرع قد حاول تخفيف وطء هذه المادة من خلال ما أقره للنيابة العامة من الحق في تقديم الملاحظات الشفهية التي لا نرى أهميتها لتحقيق العدالة ويلاحظ مع هذا التناقض أن القضاء يعتمد بالأولوية إلى اعتبار الجزء الأخير من النص القانوني غير ذي فائدة عمليا أي أنه من قبيل المساحيق التجميلية التي يستخدمها المشرع للتأكيد على حرية النيابة العامة في تقديم ملتمساتها.
________________________________
– ذ. محمد أحذاف: “شرح قانون المسطرة الجنائية”، ج. 1، مطبعة سجلماسة، ط.1، 2004، ص120.
المبحث الثاني: سلطات النيابة العامة المطلب الأول: مباشرة أو الأمر بمباشرة البحث التمهيدي
نصت المادة 71 من قانون المسطرة الجنائية على أنه «يستلزم حضور ممثل النيابة العامة في حالة وقوع جناية أو جنحة تخلي ضابط الشرطة عن العملية» وأضافت المادة 78 من نفس القانون قائلة «يقوم ضباط الشرطة القضائية بأبحاث تمهيدية بناءا على تعليمات النيابة العامة أو تلقائيا.
يسير هذه العمليات وكيل الملك أو الوكيل العام للملك كل فيما يخصه»
وفحوى هذان النصان تقودنا إلى أن المشرع قام بإسناد إجراءات البحث التمهيدي أصلا إلى النيابة العامة في حالة وجودها في مسرح الجريمة مع إمكانية إسنادها لضباط الشرطة القضائية في حالة عدم حضورها أو بناءا على رغبة قضاة النيابة العامة مع ضرورة خضوعهم لسلطة هذه الأخيرة والتي تقوم بتسييرهم علما بأن المشرع قد أغفل ذكر معنى هذا التسيير وكيفية القيام به. ولا يهمنا حاليا سوى معرفة أن هناك حالتين لممارسة النيابة العامة (أو من يقوم مقامها) لهذا البحث، الحالة العادية وحالة التلبس. حيث لا تختلف المسطرة في الأحوال العادية عنها في حالة التلبس من حيث الخطوات والتحريات التي يقوم بها ضباط الشرطة القضائية. لكنها تطرح اختلافا جوهريا من حيث السلطات المخولة لهم في تطبيق هذه المسطرة، وهذا الاختلاف يتجلى في سلطتين هما سلطة الوضع تحت الحراسة النظرية ومسطرة تفتيش المنازل( ) وهاتين الحالتين تهدمان مبدأ البراءة المفترضة والتي يبرره البعض بوقوع المجرم في يد العدالة في حالة تلبس وما يؤدي إليه ذلك من نتائج تؤثر لا محالة على هذا المبدأ.
نص المشرع في المادة 56( ) على حالات التلبس واعتبرها بمثابة دليل قاطع على ارتكاب المتهم للجريمة وبالتالي رتب عليها نتائج خطيرة وقد ذهب البعض( ) إلى تقسيم حالات التلبس إلى نوعين:
الفقرة الأولى: حالات التلبس الحقيقية:
وهي الحالات التي تنم حقا عن وجود علاقة قوية بين المتهم والفعل الإجرامي حيث يمكن وبسهولة أن نثبت من خلال هاته الحالات أن المتهم هو الفاعل وهذا ما أدى بالفقه إلى تسميتها بحالات التلبس الحقيقي وتتمثل في:
أولا: حالة ضبط الفاعل أثناء ارتكابه الجريمة:
وهذه الحالة تعني أن الفاعل يشاهد من طرف النيابة العامة عن طريق قضاتها (أو من يقوم مقامهم) وهو ينفذ الركن المادي للجريمة خاصة إذا كانت هذه الجريمة تستغرق وقتا لتنفيذها، حيث يدق تحديد حالة التلبس وتزداد صعوبة كلما كانت الجريمة تنحو إلى السرعة في أدائها حيث يشكل عنصر الزمن أهمية بالغة في تحديد حالة التلبس من عدمها ذلك أنه وفي حالة ارتكاب الفعل الجرمي خلال ثوان معدودة كالطعن بالسكين مثلا فإن الزمن الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار حتى نكون إزاء حالة التلبس الفعلي للفاعل أثناء ارتكابه الجريمة هي تلك المدة الفاصلة بين دخول السكين جسد الضحية وخروجه منه وهذا ما يميز هذه الحالة عن الحالة التالية.
ثانيا: حالة ضبط الفاعل على إثر ارتكابه الجريمة:
حيث تتحدد هذه الحالة بناء على عنصر الزمن وإن كانت تؤدي إلى نفس النتائج التي تؤدي إليها الحالة الأولى، إلا أنه يجب التمييز بينهما من حيث الزمن والذي يتمثل في هذه الحالة في الوقت الفاصل بين خروج السكين من جسد الضحية في المثال السابق ووقوع الضحية على أبعد تقدير بناء على اتجاه أغلب الفقه الذي ذهب إلى تفسير تعبير المشرع (على إثر إنجازه) على أنه قصد بذلك حصول اكتشاف الجريمة في اللحظة التي يكون الجاني يقوم فيها بآخر عمل يندرج ضمن ماديات الجريمة( ).
وسواء كنا أمام الحالة الأولى أو الثانية فإن تحديد حالة التلبس بالشكل المذكور يتطلب تكوين قانوني جيد على الأقل بالنسبة للأشخاص الذين يقومون بمعاينة الجريمة والحكم بوجودها في حالة تلبس وهذا ما ينطبق على الحالات الأخرى التي تشكل التلبس الافتراضي مع كثير من التحفظ.
الفقرة الثانية: حالات التلبس الافتراضي:
لقد ميز الفقه المغربي بين الحالتين الأوليين واللتين تجسدان التلبس بمفهومه الحقيقي وبين الحالات الآتية التي اعتبرها المشرع بمثابة التلبس مع ما يطرحه ذلك من إشكاليات عميقة.
أولا: مطاردة المشبوه فيه من طرف الجمهور:
إن أصل ونشأة هذه الحالة جاءت أساسا كأثر من آثار متابعة الجماعة المعتدى عليها للمعتدي بالصياح في محاولة للانقضاض عليه والانتقام منه على جريمته( ).
وهذه الحالة تقتضي وجود متهم فارا بعد وقوع جريمة وأن الجمهور يتابعونه على أساس أنه هو مرتكب الجريمة وهذا يعني أن المشرع توسع في أخذه بمفهوم التلبس حيث تمادى في استخدام عنصر الزمن وتراخى هذا العنصر بين وقوع الجريمة وهروب الفاعل وقد يتزامن أن يكون هناك شخص مارا وبمحض الصدفة يرى المجني عليه واقعا فيقترب منه لتفقده فإذا به بصراخ الجمهور من ورائه مما يثير فزعه ويجعله يلوذ بالفرار فيتم إلقاء القبض عليه واعتباره في حالة تلبس، وإذا ما نحن أخذنا بهذا المعيار وأكدنا على هذه الحالة باعتبارها حالة تلبس فإننا بذلك نكون قد أجهزنا على المتهم وبالتالي على حقوقه وإنما يستغرب له فعلا هو كون بعض الحقوقيين يعترفون بأن هذه الحالة تعتبر تلبسا فعلا وهذا ما أكد عليه وزير العدل حيث قال في هاته الحالة «وهي حالة نفترض أن مرتكب الفعل الجرمي لم يتم إيقافه بمكان الجريمة وأنه تمكن من الإفلات، ولكن الجمهور طارده في الحين، وسواءا تم توقيفه آنذاك أو لم يتم توقيفه فإن الجريمة تعتبر جريمة متلبسا بها»( ). إن ما يلاحظ على السيد وزير العدل أنه توسع جدا في أخذه لمفهوم التلبس حيث قال بأنه حتى لو لم يتم التوقيف آنذاك فإن الجريمة تعتبر متلبسا بها، وأي قول هذا؟ إنه يتنافى حتى مع المنطق العقلي السليم لشخص عادي وليس لشخص حقوقي مارس العمل في مجاله سنوات طوال. فكيف يمكن أن نقول بأن الشخص متلبس بجريمة ما وهو ليس بمسرح الجريمة؟ حيث أننا نعتبر أن التلبس يجب أن يكون بمعاينة ضباط الشرطة القضائية للفعل الجرمي أثناء ارتكابه أو على إثر إنجازه على أبعد تقدير وأنه وفي حالة المعاينة من طرف الجمهور فإننا نكون إزاء جريمة عادية مشهودة ويعتبر أولئك الأشخاص شهودا حيث يوجد فرق كبير بين الجرم المشهود والجرم المتلبس به، فهما يشتركان في وجود أشخاص شاهدوا الجريمة ويختلفان فقط من حيث صفة الشاهد، فإذا كان يوصف على أنه أحد أفراد الشرطة القضائية اعتبر الجرم متلبسا به، أما إذا كان الشاهد شخصا لا يحمل صفة الشرطي القضائي فلا يعتبر الجرم إلا جرما مشهودا يطبق عليه البحث في الحالة العادية.
إلا أنه ليست هذه هي الحالة الوحيدة التي توسع فيها المشرع واعتبرها حالة تلبس حيث قام بإدراج حالتين أخرتين لا تشكلان إلا افتراضا لوجود حالة تلبس وهي:
ثانيا: ضبط المتهم حاملا أسلحة أو عليه آثار بعد مرور زمن قصير على ارتكاب الجريمة:
وتقتضي هذه الحالة حسب منظور المشرع أن يكون هناك متهم ثم إلقاء القبض عليه ومعه أدوات لها علاقة بالجريمة التي حدثت أو عليه آثار تدل على ارتكابه أو مشاركته في الفعل الجرمي. وهذا القبض يتم بعد مرور وقت قصير حسب تعبير المشرع. إن أول ما أثار التساؤلات في هذه الحالة هو التعبير الذي استعمله المشرع (وقت قصير) فهو تعبير فضفاض ومرن يطرح تساؤل من له سلطة تحديد هذا الزمن؟
ولقد درج الفقه على محاولة إكمال النواقص التي تعتري النصوص القانونية وهذا ما قام به في هذه الحالة حيث قال البعض بأن هذا التحديد متروك للقاضي لإعمال سلطته التقديرية حسب كل حالة، إلا أن هذا الرأي اعترض عليه البعض بدعوى محاربة تحكمية القضاة وحاولوا تحديد مدة 24 ساعة كحد أقصى لهذه المدة، ولا شك أن هناك اتجاه فقهي آخر أكد على أن هذا الزمن لا يجب أن يتجاوز عدة ساعات، وإن ما يحزننا هو أن نرى المشرع المغربي قد نص على هذا في المادة 56 من المسطرة الجنائية وكذلك المشرع المصري في المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية والمشرع الفرنسي في المادة 53 من قانون المسطرة الجنائية. ولا نغفل وجود بعض الاجتهادات القضائية في هذا الأمر حيث اعتبرت محكمة النقض الفرنسية أن حالة التلبس قائمة رغم مرور 28 ساعة على ارتكاب الفعل.
إن ما نريد التأكيد عليه هو أن مفهوم التلبس يعني وجود فاعل (الجاني) ومفعول به (ضحية) وضابط للشرطة القضائية أثناء ارتكاب الجريمة، وما عدا ذلك يجب أن يعتبر جريمة عادية وإن كانت الأدلة والقرائن قوية في مواجهة المتهم، وهذا ما يجعلنا نرفض وجود زمن يفصل بين ارتكاب الجريمة وحضور ضابط الشرطة القضائية (وإلقائه القبض على المتهم) إنا نرفض وجود هذا الزمن جملة وتفصيلا إلا إذا وجد متهم (غبي) يجلس بجانب ضحيته في انتظار حضور ضابط الشرطة القضائية لعدة ساعات أو أيام حسب بعض الفقهاء.
إن المنطق القانوني السليم يذهب إلى ضرورة إلغاء هذا الفصل من جذوره من جميع هاته الدول التي تدعي أن الأصل هو البراءة قولا وتنافي ذلك فعلا حيث أعجبني قول أورده الأستاذ الحسن البيهي في كتابه يذهب إلى أن «المشرع المغربي لم يكن في اعتقادنا موفقا كل التوفيق حينما أقر المبدأ أعلاه (مبدأ قرينة البراءة) دون آليات ومبادئ عامة كفيلة بتوضيحه وتفسيره»( ) وهذا القول ينطبق على كل التشريعات السابقة الذكر خاصة إذا ما علمنا وكما سبق أن أشرنا بأنها تخول لضابط الشرطة القضائية سلطات تختلف في حالات التلبس عنها في الحالات العادية.
ثالثا: حالة التماس مالك المنزل من النيابة العامة أو ضابط الشرطة القضائية معاينة الجريمة المرتكبة بداخله:
بكل وضوح لا علاقة لهذه الحالة بمفهوم التلبس، فهي أكثر من أن تعتبر حالة تلبس افتراضي قياسا مع الحالات التي أشير لها سابقا والمنصوص عليها بالمادة 56 من قانون المسطرة الجنائية( ) فهي تعتبر أنه وفي حالة حدثت الجريمة في منزل معين والتماس صاحب هذا المنزل من ضباط الشرطة القضائية معاينة الجريمة كشرطان لقيام هاته الحالة فإننا نكون إزاء حالة التلبس، ولا حاجة لنا بالتذكير على أهمية عنصر الزمن كعنصر أساسي لقيام حالة التلبس وبالتالي إعطاء نتائجها.
فلو افترضنا جدلا بأن صاحب منزل دعا أصدقائه إلى منزله وبعد انقضاء السهرة وخروج الأصدقاء تبين لصاحب المنزل اختفاء شيء ثمين من منزله وبالتالي عمد إلى إبلاغ النيابة العامة والتمس منهم معاينة الجريمة، وبناءا على الفصل المذكور ستقوم النيابة العامة بإلقاء القبض على الأصدقاء كلهم باعتبارهم متلبسين بالجريمة ! فكيف يعقل أن يكون كل الأفراد متلبسين في محضر النيابة العامة وبعد صدور الحكم نجد أن الفاعل هو شخص واحد، إن معنى التلبس يقضي حتما إلى ضرورة إتهام الفاعل ما لم يبرء لفائدة الشك أي أنه لا يوجد دليل يؤكد على أنه المرتكب سوى مشاهدة ضابط الشرطة القضائية.
ونستنتج مما سبق أن حالات التلبس الافتراضية هي حالات بعيدة عن حالات التلبس فعلا وهذا ما يجعلنا نطالب بإصلاح هاته المواد والتأكيد على أن حالات التلبس تقتصر على الحالتين الأولتين والتي صنفهما الفقه على أساس أنهما تشكلان تلبسا حقيقيا.
______________________________
– محمد احذاف: “م.س، من ص458 إلى 464.
– المسطرة الجنائية المغربية، المادة 56.
– نذكر على سبيل المثال الأستاذ أحذاف، م، س، ص372.
– “شرح قانون المسطرة الجنائية”، منشورات وزارة العدل، ج.1، ط.2، ع.2. 2004.
– عمار عبد الحميد النجار: “الادعاء العام والمحاكمة الجنائية وتطبيقاتها”، الهامش رقم 1. ص14.
– شرح قانون المسطرة الجنائية، منشورات وزارة العدل، م.س. ص 106.
– لحسن بيهي: “دراسات وأبحاث في قانون المسطرة الجنائية الجديدة”، ط.1، دجنبر 2003، ع.2، ص59.
– ذ. محمد أحذاف: م، س، ص386.
الفصل الأول : القضاء الواقف – النيابة العامة
المبحث الأول: مبادئ النيابة العامة
سمي القضاء الواقف بهذا الإسم نظرا لكونه يقدم ملتمساته أثناء المحاكمة بعد وقوفه أمام قاضي الحكم. والقضاء الواقف هو ما يصطلح عليه باسم جهاز النيابة العامة في المغرب وكذلك الجمهورية المصرية وجل الدول العربية، ونظرا لما لهذا الجهاز من أهمية واسعة على صعيد تحريك وممارسة الدعوى العمومية بل ومتابعة المتهم حتى خلال تنفيذه للعقوبة في حالة إدانته، فإننا نرى ضرورة التعريف بهذا الجهاز والإشارة إلى وضعيته القانونية وكذلك طرح مجمل الإشكاليات والانتقادات التي تطرحها طبيعة هذا الجهاز وكذلك المبادئ الأساسية التي يقوم عليها وكذلك السلطات المخولة لأعضاء هذا الجهاز.
وبناءا على ما سبق نرى ضرورة الإشارة إلى المبادئ التي يقوم عليها جهاز النيابة العامة والتي لها علاقة بمبدأ البراءة المفترضة في المتهم (المبحث الأول) حتى وإن كانت هذه العلاقة غير مباشرة وفي (المبحث الثاني) سنحاول استعراض بعض سلطات النيابة العامة وذلك تحت إطار نفس المبدأ، وتحقيقا لفكرة عدم الخروج عن النص المطلوب سنقوم بالاقتصار على السلطات التي تهدف إلى التعريف بتوجه المشرع من حيث الأخذ بالمبدأ والتنصيص عليه في المادة الأولى من المسطرة الجنائية وإغفاله لبعض المفاهيم والتي تنم عن نية مبيتة ضد هذا المبدأ.
المطلب الأول: مبدأ وحدة جهاز النيابة العامة.
يهدف هذا المبدأ إلى الإقرار بتكافل وتكاتل أعضاء هذا الجهاز وكونهم يعبرون عن رأي واحد، بل ذهب المشرع بعيدا إلى حد اعتبارهم كالشخص الواحد، وهذا بالضبط ما يثير نقمة كثير من فقهاء القانون الجنائي وأعمدة مجال المسطرة الجنائية، حيث أن هذا المبدأ يحمل في طياته خرقا علنيا لمبدأ قرينة البراءة وذلك من خلال منح النيابة العامة صلاحية تغيير أعضئها بالنسبة للملف الواحد دون أن يؤثر ذلك على إجراءات المحاكمة حيث يمكن لأحد قضاة النيابة العامة (بناءا على هذا المبدأ) أن يقوم بإعداد بحث تمهيدي ويعمد قبل إنهاءه إلى تغيير هذا الأخير واستبداله بقاضي آخر يتابع هذا البحث أو أنه يقوم بممارسة الدعوى العمومية أمام القضاء. والأدهى أنه قد يطالب بإيقاع أقصى العقوبات على المتهم رغم أن كل ما لديه من معلومات عن القضية هو ما تضمنه ملف القضية الذي يمكن أن يكون قد تسلمه قبل بدء المحاكمة بساعات أو دقائق محدودة لا تكفي سوى لرؤية الخطوط العريضة للجريمة.
ولا نغفل إشارة المشرع لضرورة مراعاة الاختصاص المكاني والنوعي لقضاة النيابة العامة داخل هذا المبدأ، والتي لا أعتبر شخصيا أن لها أهمية سوى من حيث حفظ هيبة قاضي النيابة العامة أمام نظيره من دائرة أخرى. وكنا نود لو أن المشرع رتب جزاء البطلان على الإجراءات أو المحاكمة ككل في حالة عدم مشاركة نفس قاضي النيابة العامة في جميع مراحل الدعوى وذلك تيمنا بموقفه مع قضاء الحكم.
وبما أن دور النيابة العامة لا يقل أهمية عن دور قاضي الحكم، بل أنه وفي نظر أغلب المهتمين بالمجال الحقوقي فإنها تعتبر حاضرة وبقوة وذلك لمعايشة هذا الجهاز للجريمة من اللحظة الأولى لوقوعها وإلى غاية صدور الحكم ولكون ملتمساتها تؤثر على قرار القاضي إيجابا وسلبا.
وهذا المبدأ يخلف نتيجة هامة جدا وهي اعتبار الإجراء الذي يقوم به أحد أعضاء النيابة العامة خلافا لتعليمات رئيسه، يعتبر صحيحا ويلزم جهاز النيابة العامة بأكمله، ولا يحق للرئيس أن يلغيه، كل ما في الأمر أن المرؤوس يمكن أن يتعرض للمساءلة التأديبية بسبب عدم انضباطه الإداري ومخالفته لتعليمات رئيسه( ).
_____________________________
– “شرح قانون المسطرة الجنائية”، منشورات وزارة العدل، ج.1، ط.8، العدد 2، 2004، ص 158.
المطلب الثاني: عدم قابلية النيابة العامة للتجريح
سبق القول بأن لجنة واضعي المدونة تكونت أغلبها من قضاة النيابة العامة وهذا ما جعل هذه اللجنة تبالغ نوعا ما في حماية نفسها من الأغيار عن طريق تمتيع أنفسهم بحصانة مهمة جدا، وكذلك لكون المشرع وفي سياسته العامة يود تعزيز وتقوية مركز النيابة العامة في المجتمع لاعتبارات سياسية لا تخفى عن الجميع وتكمن هذه الحصانة في عدم قابلية أعضاء هذا الجهاز للتجريح وبالتالي عدم إمكانية إبعاد قاضي النيابة العامة عن ممارسة القضية أمام المحاكم وذلك بناءا على طلب المتهم في حالة تحقق وجود مصلحة مرتبطة بهذا القاضي بشكل مباشر أو غير مباشر مع الإشارة إلى ما يقتضيه هذا من مساس فادح بمبدأ البراءة المفترضة وهذا ما سنعمل على توضيحه من خلال الأسطر القليلة اللاحقة.
فقد نصت المادة 274 من قانون المسطرة الجنائية على أنه «لا يمكن تجريح قضاة النيابة العامة»، فاعتبارا لكون قاضي النيابة العامة في نهاية المطاف أنه إنسان لا يخلو أن يكون اجتماعيا بطبعه فقد تربطه علاقة أو صلة أو مصلحة مباشرة أو غير مباشرة بأفراد المجتمع الذي قد يقع أحدهم ضحية عمل إجرامي يعمد قاضي النيابة العامة إلى تولي القضية في حالة كونها ضمن اختصاصه المكاني والنوعي طبعا والقيام بصلاحياته وسلطاته حيث يمكنه وضع المتهم تحت الحراسة النظرية أو غيرها من الإجراءات المخولة له، وقد اعتمد واضعوا المدونة كمبرر لهذه الوضعية بأن قضاة النيابة العامة هم قضاة عادلون يتميزون بالنزاهة والحياد وكأننا بهؤلاء القضاة ملائكة تمشي على الأرض. وهذا الوضع يدل عن طريق المخالفة بأن قاضي الحكم لا يتميز بالنزاهة والحياد حيث نجد أن المادة 273 من قانون المسطرة الجنائية نصت على إمكانية تجريح قضاة الحكم في حالة ثبوت علاقة أو مصلحة تربطهم مع الضحايا أو على العكس من ذلك في حالة وجود علاقة بين القاضي والمتهم الماثل أمامه. ولا نغفل الإشارة إلى أن المشرع اعتبر أن قضاة الحكم لهم خصوصيات تميزهم عن قضاة النيابة العامة وهي أنهم يملكون سلطة الحكم مباشرة على المتهم وهذا ما دعا إلى إمكانية تجريحهم، إلا أن هذا القول مردود على أصحابه من خلال التفحص الدقيق لنصوص المسطرة الجنائية والتي جاء فيها أن قضاة النيابة يمارسون سلطاتهم والتي تدخل ضمنها سلطات تمس بحرية المتهم وحقوقه هذا من جهة، إضافة إلى أن للمحاضر والإجراءات التي يتخذها قاضي النيابة العامة تأثيرها الذي لا يخفى على اقتناعات قاضي الحكم وبالتالي قراره، وإن هذا التضارب كبير ينم إما عن قصد واضح لتقوية مركز النيابة العامة في المجتمع مع إهدار حق المواطنين في الدفاع عن مصالحهم، وإما أنه ينم عن ضعف تكوين واضعي المدونة من الناحية القانونية. إن مبدأ قرينة البراءة يفرض أن تتم محاكمة المتهم بشكل عادل ونزيه يعبر عن رغبة حقيقية في إيقاع العقوبة على الفاعل الأصلي وليس المتهم الذي لم تتم إدانته بعد، ولا نريد أن نغفل مصدر هذا المبدأ والذي يتمثل في اعتبار النيابة العامة كخصم وطرف آخر في القضية. وهذا ما يثير بدوره تساؤل عريض، فكيف يمكن لخصم ما أن تكون له سلطات في مواجهة الخصم الآخر؟ بل الأكثر من ذلك إن قضاة النيابة العامة يعتبرون كممثلي المجتمع والمطالبين بحقوقه، فهل يعتبر المتهم خارجا عن المجتمع؟
المطلب الثالث: عدم ارتباط النيابة العامة بمطالبها
لقد خول المشرع للنيابة العامة حقا لا نرى له سوى أنه يعزز قرينة البراءة من الناحية النظرية على الأقل، حيث يمكن للنيابة العامة حسب هذا المبدأ أن تقوم بتغير مطالبها مرة بل وعدة مرات حسب ما تراه ملائما، ذلك أن الأصل هو كون النيابة العامة تطالب بتوقيع عقوبات على المتهم نظرا لكونها طرف أصلي في الدعوى ولكونها هي من قامت بإحالة الملف على القضاء، إلا أن مصلحة المتهم ومن تم إثبات براءته قد تأتي على يد النيابة العامة من خلال ما تقدمه من أدلة توصلت بها تثبت عدم ارتكاب المتهم للجريمة وبالتالي تطالب ببراءته. وأهمية هذه الخاصية تكمن في ما تخوله للنيابة العامة من قدرة على تدارك هفواتها وضمان لها من حيث عدم إمكانية محاسبتها عن التناقض الحاصل بين موقفيها الأول والثاني( ) ولولا وجود هذا المبدأ لكان لزاما على النيابة العامة أن تبقى على مطالبها حتى ولو علمت بل وتأكدت من براءة المتهم ووجود متهم آخر يستحق العقاب وكونه الفاعل الحقيقي، إن هذا المبدأ يؤكد على أن النيابة العامة لا تبقى على مطالبها حتى ولو إن علمت على التأكد من براءة المتهم ووجود متهم آخر يستحق العقاب كونه الفاعل الحقيقي، إن هذا المبدأ يؤكد على أن النيابة العامة لا يمكن مسائلتها إذا ما قدمت على تغير مطالبها من طلب بإيقاع أقصى العقوبات إلى طلب إخلاء السبيل وذلك حماية للنيابة العامة حتى لا تخاف العقاب وتفضل السكوت عن الحق على الوقوع في شرك العقوبات التأديبية لمخالفتها لمبادئ القانون.
ورغم كل ما سبق ذكره فإن هذا المبدأ يبقى خالي المضمون من الناحية الواقعية، ذلك أن قضاة النيابة العامة لا نراهم يحركون ساكنا أثناء المحاكمات بل يكتفون بمطالبة المحكمة بتطبيق القانون، وهذا في نظرنا لا يعدو أن يكون فهما غالطا لمقتضيات المادة 49 والتي نصت على أنه «يطالب بتطبيق العقوبات المقررة في القانون» فبالنسبة لقضاة النيابة العامة أن كل ما يلزمهم هو المطالبة بهذا التطبيق مع أن مقصود المشرع يأتي على أساس أنها تطالب المحكمة بتطبيق مقتضيات القانون عمليا وليس قوليا، إذا ما ثبت لها أن الفاعل هو المتهم وليس إذا ما كان هناك شك. وحيث أن النيابة العامة تكتفي بما تم تقديمه من ملتمسات مع ملف القضية من خلال المحاضر وغيرها فلا نراهم يقومون بأي أعمال من شأنها أن تظهر الحقيقة.
______________________________
– محمد عياط: دراسة في المسطرة الجنائية المغربية، م.س. ص 80.
المطلب الرابع: النيابة العامة كطرف أصلي في الدعوى
إن مجرد الاعتراف بكون النيابة العامة كجهاز ينتصب على أساس أنه طرف أصلي في الدعوى العمومية، أي خصما في تلك الدعوى يعتبر حيفا بالمتهم وذلك من جهتين:
الجهة الأولى: أن النيابة العامة كجهاز لها سلطات على المتهم وهذا ما لا يبرره شيء كيفما كان، فإن الخصم «النيابة العامة» له سلطة إعداد الأدلة ومواجهة الخصم بها وكذلك ممارسة بعض السلطات وإن كانت استثنائية فلا يبرر ذلك ارتكابها من طرف هذا الخصم، وهذه السلطة تتمثل في إيداع المتهم بالسجن فكيف لشخص موضوع تحت رقابة هذا الجهاز أن يثبت براءته؟ بينما خصمه مطلوق السراح يبحث عن أدلته علاوة على كون هذا الخصم يتكون من جهاز كامل يخضع للدولة وما يترتب عن ذلك من إمكانيات مادية وبشرية في مواجهة ذلك الخصم الوحيد والذي لا حول له ولا قوة. ويعتبر تكافؤ الوسائل بين أطراف الدعوى العمومية كشرط أساسي من شروط المحاكمة العادلة، الذي يقتضي أن توضع رهن إشارة المتهم نفس الوسائل الموضوعة بيد النيابة العامة للمشاركة في أعمال التحقيق بما تخوله من حق في الاطلاع على المسطرة وإمكانية الاعتراض على الأوامر القضائية( ).
الجهة الثانية: إن النيابة العامة كجهاز يتمتع بالأفضلية على المتهم من حيث الموقع والقوة، فموقعها إلى جانب القاضي يعتبر أكثر مساس بالعدالة والمساواة بين الأطراف المتخاصمة حيث يعترف للنيابة العامة بالجلوس إلى جانب قضاة الحكم بينما يبقى المتهم في قفص الاتهام إلى حين استدعائه إلى منصة الشهود لاستجوابه، ناهيك عن تعامل أمن المحكمة مع هذا المتهم بفضاضة داخل ذلك القفص وقد بين المشرع أن المتهم يجب ألا يمثل أمام المحكمة إلا وهو مطلق السراح غير مقيد وهذا يعني بداهة علم المشرع بالانتهاكات التي تتم داخل قفص الاتهام حيث يكون المتهم محكوما عليه بأنه الفاعل من طرف أعضاء الأمن حتى قبل صدور الحكم، ونحن ومن هذا المنبر ومعنا بالطبع جل إن لم نقل كل الحقوقيين في كل البلاد نطلب من المشرع التدخل وإلغاء هذا الفرق اقتداءا بأغلب التشريعات الحالية سواء الغربية “فرنسا وأمريكا” أو بعض الدول العربية «كمصر والسودان والأردن» خاصة وأن فرنسا قد ذهبت بعيدا في هذا المجال حيث ألزمت قضاة النيابة العامة بارتداء زي المحامين باعتبارها محامي العامة أو محامي الشعب وهذا ما لا نراه في قانون المسطرة الجنائية بالمغرب، حيث يتمتع قاضي النيابة العامة بامتياز ارتداء زي قضاء الحكم.
فكيف لخصمين يتمتع أحدهما بكل الامتيازات المذكورة ولا يتمتع الآخر حتى بحق السراح المؤقت وإن كان يتوفر على ضمانات، حيث نص المشرع على أن النيابة العامة يمكنها أن تمتع المتهم بالسراح المؤقت إذا ما توفرت فيه ضمانات كافية للحضور مع الإشارة إلى أن المشرع نص في المادة 74 الفقرة الثانية على أنه «… كما يمكنه أن يعرض تقديم كفالة مالية أو شخصية مقابل إطلاق سراحه» ومعنى هذا النص أن كلا من الكفالة المالية والكفالة الشخصية تعتبر كضمان يمكن للنيابة العامة أن تخلي سبيل المتهم إذا ما توفر أحدها وإن كانت هذه الضمانات وردت على سبيل المثال لا الحصر، ولكن ومن حيث الواقع نجد أن النيابة العامة استغلت هذه السلطة إلى أبعد حد كنوع من أنواع التعسف في استعمال السلطة دون أي حسيب أو رقيب فيكفينا علما أنه فعليا وواقعيا أن النيابة العامة لم تصدر قرار إطلاق سراح أي متهم بناءا على الضمانات التي قدمها مهما كانت قوة هذه الضمانات بحجة عدم كفايتها في نظر هذه الأخيرة وهذا ما يجعلنا نتطلع إلى تعديل المشرع لعبارة وردت في المادة 74 الفقرة الأولى كانت هي سبب هاته الإشكاليات حيث نصت تلك المادة على أنه «… أو إذا لم تتوفر في مرتكبها ضمانات كافية للحضور، كما يمكنه أن يقدم للمحكمة حرا بعد تقديم كفالة مالية أو كفالة شخصية» فكون المشرع أورد كلمة “يمكنه” يعني أن للنيابة العامة الخيار في أمر منح السراح من عدمه وهذا بالضبط ما نتطلع إلى إلغائه وذلك بإبعاد هذه الكلمة والنص على إجبارية الأخذ بهاته الضمانات إذا ما جاءت كما نص عليها المشرع.
وتحتم علينا الأمانة العلمية أن نذكر بعض الأقوال التي تتردد في الشارع من ألسنة العامة أو حتى بعض الحقوقيين على اعتبار أن النيابة العامة في مسطرة استدعاء الشهود حسب آراءهم تستدعي شهود الإثبات فقط وأن شهود النفي يقدمون من طرف محامي المتهم. وهذا ما يبرر تسمية النيابة العامة في الشارع المغربي بإسم “الغراق” وهذا عكس ما ينبغي أن يكون حيث يفترض في النيابة العامة بحثها عن الحقيقة وتقديم جميع ما يثبتها من شهود إثبات أو نفي بل الأحرى بها أن تقدم أولوية لشهود النفي على شهود الإثبات اعتبارا لكونها نزيهة واعتبارا لإرساء المشرع لمبدأ البراءة المفترضة وتنصيصه عليه في الفصول الأولى من المسطرة الجنائية، إلا إذا كان هذا المبدأ من باب الحبر على الورق ليس إلا. وهذا إن كان يدل فإنما يدل على الطبيعة المتناقضة للنيابة العامة من حيث الواقع والقانون.
________________________________
– الأستاذة شادية السومي:”المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية” عدد 44-45، ماي -غشت 2002، ص82
المطلب الخامس: عدم استقلالية النيابة العامة
يطرح استقلال النيابة العامة عن باقي أجهزة الدولة عدة تساؤلات لا يهمنا في الوقت الحاضر إلا التساؤل عن استقلالها عن السلطة التنفيذية، والمتمثلة في وزارة العدل «وزير العدل بشكل شخصي» لما لذلك من تأثير على مواقف النيابة العامة في القضايا التي تمارسها وبالتالي على رأيها بل ومطالبها إن ما هو متعارف عليه في الأنظمة القانونية المقارنة هو استقلال النيابة العامة كجهاز عن أي سلطة لوزير العدل إلا من حيث الرقابة على الأعمال دون سلطة التوجيه التي تعني التدخل في خصوصيات هذا الجهاز والتأثير على مطالبه، وإن أهم ما يميز الوضع القانوني للنيابة العامة هي هشاشة وضعف وتبعية وضع النيابة العامة في علاقتها بالسلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل( ). ومن خلال تصفح المواد التي جاء بها قانون المسطرة الجنائية نجد أن المشرع قد أعطى لقضاة النيابة العامة وضعية مزدوجة أدت إلى وجود تضارب فقهي حول طبيعة جهاز النيابة العامة هل هو إداري أم قضائي؟
لقد انقسم الفقه في الإجابة على هذا التساؤل إلى قسمين:
الاتجاه الأول: وهو اتجاه يدافع عن الطبيعة القضائية للنيابة العامة وذلك بناءا على أن قضاة النيابة العامة هم قضاة يتم تكوينهم وتعيينهم بنفس طريقة قضاة الأحكام ويخضعون للقانون الأساسي لهذه الفئة وهذا ما يعاكس الاتجاه الآخر.
الاتجاه الثاني: وهذا الاتجاه يتمسك بكون النيابة العامة ذات طبيعة إدارية إلى حد إنكار أي صفة قضائية لهذا الجهاز وذلك بناءا على الأسباب التالية:
1 +خضوع جهاز النيابة العامة للتسلسل الإداري والذي يأتي على رأسه وزير العدل.
2 +التفريق بين قاضي الحكم وقاضي النيابة العامة من حيث الحصانة اتجاه العزل والنقل بالإضافة إلى خضوعهم لأوامر وزير العدل.
إن ما هو متفق عليه من طرف أغلبية الفقهاء هو الطبيعة المزدوجة والمختلطة لقضاة النيابة العامة، ولكن ما تأثير هذه الطبيعة المزدوجة على قرينة البراءة كمبدأ حساس يتأثر بموجب الوضعيات المختلفة التي يتخذها جهاز النيابة العامة؟
لقد نصت المادة 38 من قانون المسطرة الجنائية على أنه «يجب على النيابة العامة أن تقدم ملتمسات كتابية، طبقا للتعليمات التي تتلقاها… وهي حرة في تقديم الملاحظات الشفهية التي ترى أنها ضرورية لفائدة العدالة» إن مضمون هذا النص يذهب إلى الإقرار بضرورة تبني النيابة العامة لوجهة نظر وزير العدل على الأقل في ملتمساتها الكتابية حيث لا يمكن لقضاة النيابة العامة أن تقوم بتقديم ملتمسات تخالف رأي وتوجه وزير العدل الذي يأتي رأيه أساسا متأثرا بتوجه سياسي معين لا يكترث لبراءة المتهم. وهذا ما يؤدي عمليا إلى شل حركة قضاة النيابة العامة وإن كان المشرع قد حاول تخفيف وطء هذه المادة من خلال ما أقره للنيابة العامة من الحق في تقديم الملاحظات الشفهية التي لا نرى أهميتها لتحقيق العدالة ويلاحظ مع هذا التناقض أن القضاء يعتمد بالأولوية إلى اعتبار الجزء الأخير من النص القانوني غير ذي فائدة عمليا أي أنه من قبيل المساحيق التجميلية التي يستخدمها المشرع للتأكيد على حرية النيابة العامة في تقديم ملتمساتها.
________________________________
– ذ. محمد أحذاف: “شرح قانون المسطرة الجنائية”، ج. 1، مطبعة سجلماسة، ط.1، 2004، ص120.
المبحث الثاني: سلطات النيابة العامة المطلب الأول: مباشرة أو الأمر بمباشرة البحث التمهيدي
نصت المادة 71 من قانون المسطرة الجنائية على أنه «يستلزم حضور ممثل النيابة العامة في حالة وقوع جناية أو جنحة تخلي ضابط الشرطة عن العملية» وأضافت المادة 78 من نفس القانون قائلة «يقوم ضباط الشرطة القضائية بأبحاث تمهيدية بناءا على تعليمات النيابة العامة أو تلقائيا.
يسير هذه العمليات وكيل الملك أو الوكيل العام للملك كل فيما يخصه»
وفحوى هذان النصان تقودنا إلى أن المشرع قام بإسناد إجراءات البحث التمهيدي أصلا إلى النيابة العامة في حالة وجودها في مسرح الجريمة مع إمكانية إسنادها لضباط الشرطة القضائية في حالة عدم حضورها أو بناءا على رغبة قضاة النيابة العامة مع ضرورة خضوعهم لسلطة هذه الأخيرة والتي تقوم بتسييرهم علما بأن المشرع قد أغفل ذكر معنى هذا التسيير وكيفية القيام به. ولا يهمنا حاليا سوى معرفة أن هناك حالتين لممارسة النيابة العامة (أو من يقوم مقامها) لهذا البحث، الحالة العادية وحالة التلبس. حيث لا تختلف المسطرة في الأحوال العادية عنها في حالة التلبس من حيث الخطوات والتحريات التي يقوم بها ضباط الشرطة القضائية. لكنها تطرح اختلافا جوهريا من حيث السلطات المخولة لهم في تطبيق هذه المسطرة، وهذا الاختلاف يتجلى في سلطتين هما سلطة الوضع تحت الحراسة النظرية ومسطرة تفتيش المنازل( ) وهاتين الحالتين تهدمان مبدأ البراءة المفترضة والتي يبرره البعض بوقوع المجرم في يد العدالة في حالة تلبس وما يؤدي إليه ذلك من نتائج تؤثر لا محالة على هذا المبدأ.
نص المشرع في المادة 56( ) على حالات التلبس واعتبرها بمثابة دليل قاطع على ارتكاب المتهم للجريمة وبالتالي رتب عليها نتائج خطيرة وقد ذهب البعض( ) إلى تقسيم حالات التلبس إلى نوعين:
الفقرة الأولى: حالات التلبس الحقيقية:
وهي الحالات التي تنم حقا عن وجود علاقة قوية بين المتهم والفعل الإجرامي حيث يمكن وبسهولة أن نثبت من خلال هاته الحالات أن المتهم هو الفاعل وهذا ما أدى بالفقه إلى تسميتها بحالات التلبس الحقيقي وتتمثل في:
أولا: حالة ضبط الفاعل أثناء ارتكابه الجريمة:
وهذه الحالة تعني أن الفاعل يشاهد من طرف النيابة العامة عن طريق قضاتها (أو من يقوم مقامهم) وهو ينفذ الركن المادي للجريمة خاصة إذا كانت هذه الجريمة تستغرق وقتا لتنفيذها، حيث يدق تحديد حالة التلبس وتزداد صعوبة كلما كانت الجريمة تنحو إلى السرعة في أدائها حيث يشكل عنصر الزمن أهمية بالغة في تحديد حالة التلبس من عدمها ذلك أنه وفي حالة ارتكاب الفعل الجرمي خلال ثوان معدودة كالطعن بالسكين مثلا فإن الزمن الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار حتى نكون إزاء حالة التلبس الفعلي للفاعل أثناء ارتكابه الجريمة هي تلك المدة الفاصلة بين دخول السكين جسد الضحية وخروجه منه وهذا ما يميز هذه الحالة عن الحالة التالية.
ثانيا: حالة ضبط الفاعل على إثر ارتكابه الجريمة:
حيث تتحدد هذه الحالة بناء على عنصر الزمن وإن كانت تؤدي إلى نفس النتائج التي تؤدي إليها الحالة الأولى، إلا أنه يجب التمييز بينهما من حيث الزمن والذي يتمثل في هذه الحالة في الوقت الفاصل بين خروج السكين من جسد الضحية في المثال السابق ووقوع الضحية على أبعد تقدير بناء على اتجاه أغلب الفقه الذي ذهب إلى تفسير تعبير المشرع (على إثر إنجازه) على أنه قصد بذلك حصول اكتشاف الجريمة في اللحظة التي يكون الجاني يقوم فيها بآخر عمل يندرج ضمن ماديات الجريمة( ).
وسواء كنا أمام الحالة الأولى أو الثانية فإن تحديد حالة التلبس بالشكل المذكور يتطلب تكوين قانوني جيد على الأقل بالنسبة للأشخاص الذين يقومون بمعاينة الجريمة والحكم بوجودها في حالة تلبس وهذا ما ينطبق على الحالات الأخرى التي تشكل التلبس الافتراضي مع كثير من التحفظ.
الفقرة الثانية: حالات التلبس الافتراضي:
لقد ميز الفقه المغربي بين الحالتين الأوليين واللتين تجسدان التلبس بمفهومه الحقيقي وبين الحالات الآتية التي اعتبرها المشرع بمثابة التلبس مع ما يطرحه ذلك من إشكاليات عميقة.
أولا: مطاردة المشبوه فيه من طرف الجمهور:
إن أصل ونشأة هذه الحالة جاءت أساسا كأثر من آثار متابعة الجماعة المعتدى عليها للمعتدي بالصياح في محاولة للانقضاض عليه والانتقام منه على جريمته( ).
وهذه الحالة تقتضي وجود متهم فارا بعد وقوع جريمة وأن الجمهور يتابعونه على أساس أنه هو مرتكب الجريمة وهذا يعني أن المشرع توسع في أخذه بمفهوم التلبس حيث تمادى في استخدام عنصر الزمن وتراخى هذا العنصر بين وقوع الجريمة وهروب الفاعل وقد يتزامن أن يكون هناك شخص مارا وبمحض الصدفة يرى المجني عليه واقعا فيقترب منه لتفقده فإذا به بصراخ الجمهور من ورائه مما يثير فزعه ويجعله يلوذ بالفرار فيتم إلقاء القبض عليه واعتباره في حالة تلبس، وإذا ما نحن أخذنا بهذا المعيار وأكدنا على هذه الحالة باعتبارها حالة تلبس فإننا بذلك نكون قد أجهزنا على المتهم وبالتالي على حقوقه وإنما يستغرب له فعلا هو كون بعض الحقوقيين يعترفون بأن هذه الحالة تعتبر تلبسا فعلا وهذا ما أكد عليه وزير العدل حيث قال في هاته الحالة «وهي حالة نفترض أن مرتكب الفعل الجرمي لم يتم إيقافه بمكان الجريمة وأنه تمكن من الإفلات، ولكن الجمهور طارده في الحين، وسواءا تم توقيفه آنذاك أو لم يتم توقيفه فإن الجريمة تعتبر جريمة متلبسا بها»( ). إن ما يلاحظ على السيد وزير العدل أنه توسع جدا في أخذه لمفهوم التلبس حيث قال بأنه حتى لو لم يتم التوقيف آنذاك فإن الجريمة تعتبر متلبسا بها، وأي قول هذا؟ إنه يتنافى حتى مع المنطق العقلي السليم لشخص عادي وليس لشخص حقوقي مارس العمل في مجاله سنوات طوال. فكيف يمكن أن نقول بأن الشخص متلبس بجريمة ما وهو ليس بمسرح الجريمة؟ حيث أننا نعتبر أن التلبس يجب أن يكون بمعاينة ضباط الشرطة القضائية للفعل الجرمي أثناء ارتكابه أو على إثر إنجازه على أبعد تقدير وأنه وفي حالة المعاينة من طرف الجمهور فإننا نكون إزاء جريمة عادية مشهودة ويعتبر أولئك الأشخاص شهودا حيث يوجد فرق كبير بين الجرم المشهود والجرم المتلبس به، فهما يشتركان في وجود أشخاص شاهدوا الجريمة ويختلفان فقط من حيث صفة الشاهد، فإذا كان يوصف على أنه أحد أفراد الشرطة القضائية اعتبر الجرم متلبسا به، أما إذا كان الشاهد شخصا لا يحمل صفة الشرطي القضائي فلا يعتبر الجرم إلا جرما مشهودا يطبق عليه البحث في الحالة العادية.
إلا أنه ليست هذه هي الحالة الوحيدة التي توسع فيها المشرع واعتبرها حالة تلبس حيث قام بإدراج حالتين أخرتين لا تشكلان إلا افتراضا لوجود حالة تلبس وهي:
ثانيا: ضبط المتهم حاملا أسلحة أو عليه آثار بعد مرور زمن قصير على ارتكاب الجريمة:
وتقتضي هذه الحالة حسب منظور المشرع أن يكون هناك متهم ثم إلقاء القبض عليه ومعه أدوات لها علاقة بالجريمة التي حدثت أو عليه آثار تدل على ارتكابه أو مشاركته في الفعل الجرمي. وهذا القبض يتم بعد مرور وقت قصير حسب تعبير المشرع. إن أول ما أثار التساؤلات في هذه الحالة هو التعبير الذي استعمله المشرع (وقت قصير) فهو تعبير فضفاض ومرن يطرح تساؤل من له سلطة تحديد هذا الزمن؟
ولقد درج الفقه على محاولة إكمال النواقص التي تعتري النصوص القانونية وهذا ما قام به في هذه الحالة حيث قال البعض بأن هذا التحديد متروك للقاضي لإعمال سلطته التقديرية حسب كل حالة، إلا أن هذا الرأي اعترض عليه البعض بدعوى محاربة تحكمية القضاة وحاولوا تحديد مدة 24 ساعة كحد أقصى لهذه المدة، ولا شك أن هناك اتجاه فقهي آخر أكد على أن هذا الزمن لا يجب أن يتجاوز عدة ساعات، وإن ما يحزننا هو أن نرى المشرع المغربي قد نص على هذا في المادة 56 من المسطرة الجنائية وكذلك المشرع المصري في المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية والمشرع الفرنسي في المادة 53 من قانون المسطرة الجنائية. ولا نغفل وجود بعض الاجتهادات القضائية في هذا الأمر حيث اعتبرت محكمة النقض الفرنسية أن حالة التلبس قائمة رغم مرور 28 ساعة على ارتكاب الفعل.
إن ما نريد التأكيد عليه هو أن مفهوم التلبس يعني وجود فاعل (الجاني) ومفعول به (ضحية) وضابط للشرطة القضائية أثناء ارتكاب الجريمة، وما عدا ذلك يجب أن يعتبر جريمة عادية وإن كانت الأدلة والقرائن قوية في مواجهة المتهم، وهذا ما يجعلنا نرفض وجود زمن يفصل بين ارتكاب الجريمة وحضور ضابط الشرطة القضائية (وإلقائه القبض على المتهم) إنا نرفض وجود هذا الزمن جملة وتفصيلا إلا إذا وجد متهم (غبي) يجلس بجانب ضحيته في انتظار حضور ضابط الشرطة القضائية لعدة ساعات أو أيام حسب بعض الفقهاء.
إن المنطق القانوني السليم يذهب إلى ضرورة إلغاء هذا الفصل من جذوره من جميع هاته الدول التي تدعي أن الأصل هو البراءة قولا وتنافي ذلك فعلا حيث أعجبني قول أورده الأستاذ الحسن البيهي في كتابه يذهب إلى أن «المشرع المغربي لم يكن في اعتقادنا موفقا كل التوفيق حينما أقر المبدأ أعلاه (مبدأ قرينة البراءة) دون آليات ومبادئ عامة كفيلة بتوضيحه وتفسيره»( ) وهذا القول ينطبق على كل التشريعات السابقة الذكر خاصة إذا ما علمنا وكما سبق أن أشرنا بأنها تخول لضابط الشرطة القضائية سلطات تختلف في حالات التلبس عنها في الحالات العادية.
ثالثا: حالة التماس مالك المنزل من النيابة العامة أو ضابط الشرطة القضائية معاينة الجريمة المرتكبة بداخله:
بكل وضوح لا علاقة لهذه الحالة بمفهوم التلبس، فهي أكثر من أن تعتبر حالة تلبس افتراضي قياسا مع الحالات التي أشير لها سابقا والمنصوص عليها بالمادة 56 من قانون المسطرة الجنائية( ) فهي تعتبر أنه وفي حالة حدثت الجريمة في منزل معين والتماس صاحب هذا المنزل من ضباط الشرطة القضائية معاينة الجريمة كشرطان لقيام هاته الحالة فإننا نكون إزاء حالة التلبس، ولا حاجة لنا بالتذكير على أهمية عنصر الزمن كعنصر أساسي لقيام حالة التلبس وبالتالي إعطاء نتائجها.
فلو افترضنا جدلا بأن صاحب منزل دعا أصدقائه إلى منزله وبعد انقضاء السهرة وخروج الأصدقاء تبين لصاحب المنزل اختفاء شيء ثمين من منزله وبالتالي عمد إلى إبلاغ النيابة العامة والتمس منهم معاينة الجريمة، وبناءا على الفصل المذكور ستقوم النيابة العامة بإلقاء القبض على الأصدقاء كلهم باعتبارهم متلبسين بالجريمة ! فكيف يعقل أن يكون كل الأفراد متلبسين في محضر النيابة العامة وبعد صدور الحكم نجد أن الفاعل هو شخص واحد، إن معنى التلبس يقضي حتما إلى ضرورة إتهام الفاعل ما لم يبرء لفائدة الشك أي أنه لا يوجد دليل يؤكد على أنه المرتكب سوى مشاهدة ضابط الشرطة القضائية.
ونستنتج مما سبق أن حالات التلبس الافتراضية هي حالات بعيدة عن حالات التلبس فعلا وهذا ما يجعلنا نطالب بإصلاح هاته المواد والتأكيد على أن حالات التلبس تقتصر على الحالتين الأولتين والتي صنفهما الفقه على أساس أنهما تشكلان تلبسا حقيقيا.
______________________________
– محمد احذاف: “م.س، من ص458 إلى 464.
– المسطرة الجنائية المغربية، المادة 56.
– نذكر على سبيل المثال الأستاذ أحذاف، م، س، ص372.
– “شرح قانون المسطرة الجنائية”، منشورات وزارة العدل، ج.1، ط.2، ع.2. 2004.
– عمار عبد الحميد النجار: “الادعاء العام والمحاكمة الجنائية وتطبيقاتها”، الهامش رقم 1. ص14.
– شرح قانون المسطرة الجنائية، منشورات وزارة العدل، م.س. ص 106.
– لحسن بيهي: “دراسات وأبحاث في قانون المسطرة الجنائية الجديدة”، ط.1، دجنبر 2003، ع.2، ص59.
– ذ. محمد أحذاف: م، س، ص386.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire