التأصيل الدستوري لمبادئ الحكامة في دستور 2011
1-فصل السلط وتوازنها وتعاونها
*- تناول الدستور الجديد مسألة فصل السلط كأساس لنظام الحكم من خلال توضيح مكانة واختصاصات مختلف المؤسسات الدستورية حيث تضمن علاوة على التكريس الدستوري للملكية المواطنة مقتضيات تشير إلى معطيين أساسيين:
الانبثاق الديمراطي للسلطة التنفيذية التي تضطلع بها حكومة يعين الملك رئيسها من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات مجلس النواب وأعضاءها باقتراح من رئيسها، وتعتبر بعد حصولها على ثقة مجلس النواب المعبر عنا بتصويت الأغلبية المطلق لصالح البرنامج الحكومي.
في هذا الإطار، يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية كاملة ويعين في الوظائف المدنية في الإدارات العمومية والوظائف السامية في المؤسسات والمقاولات العمومية، علاوة على رئاسته لمجلس الحكومة الذي يتداول في قضايا محددة بما فيها تعيين بعض الموظفين السامين للإدارة العمومية وفق شروط تتوخى تحقيق مبادئ تكافؤ الفرص والاستحقاق والكفاءة والشفافية.
بهذه الاختصاصات، يعتبر مجلس الحكومة فضاء حقيقيا لتجديد سياسة الدولة وتنفيذها مع الاحتفاظ لمجلس الوزراء الذي يرأسه الملك بصلاحيات استراتيجية وتوجيهية يدخل ضمنها الحرص على التوازنات الكبرى التي أصبحت قاعدة دستورية.
*- قيام سلطة برلمانية ذات اختصاصات واسعة حيث كرس الدستور الجديد نظام ثنائية برلمانية يخول مكانة الصدارة لمجلس الوزراء الذي تعتبر الحكومة مسؤولة أمامه بالإضافة إلى غرفة ثانية ذات عدد مقلص وطابع ترابي وتمثيلية نقابية ومهنية.
على هذا الأساس، يمارس البرلمان السلطة التشريعية ويصوت على القوانين ويراقب عمل الحكومة ويقيم السياسات العمومية، مع العلم أن مجال القانون تم توسيعه ليرتفع من 30 مجالا إلى أكثر من 60 في الدستور الجديد.
2.التكريس الدستوري لدولة الحق والقانون
تكريسا لدولة القانون أكد الدستور الجديد على الوفاء لاختيار بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون ترتكز على المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة والتضامن والأمن والحرية والمساواة وتكافوؤ الفرص وحقوق وواجيات المواطنة.
وفي هذا السياق، تم التأكيد بقوة على مبدأ المساواة أمام القانون والتزام جميع الأشخاص والسلطات العمومية بالامتثال له مع التزام هذه الأخيرة بالعمل على توفير الظروف الملائمة لتفعيل حرية المواطنين والمساواة بينهم ومشاركتهم في الحياة العامة، واعتبار دستورية ونشر القواعد القانونية كمبادئ ملزمة.
وتوخيا لضمان التفعيل الأمثل للحريات والحقوق الأساسية، ألزم المشرع السلطات العمومية باتخاذ التدابير الملائمة:
*-لتيسير استفادة المواطنين على قدم المساواة من الحق في التعليم والعلاج والحماية الاجتماعية والسكن والشغل والماء، وكذا ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق.
*-لتوسيع مشاركة الشباب في التنمية واندماجهم في الحياة النشيطة على خلفية إحداث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي.
*-لتفعيل السياسات الموجهة لذوي الاحتياجات الخاصة.
*-لضمان حرية المبادرة والمقاولة والتنافس الحر وتحقيق التنمية البشرية المستدامة.
*-للوقاية من الزجر عن جميع الانحرافات المرتبطة بنشاط الإدارات والهيئات العمومية واستعمال الأموال وإبرام وتدبير الصفقات العمومية وجميع المخالفات المتعلقة بتنازع المصالح واستغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه والتدبير المالي وكذا الممارسات ذات الصلة بالشطط في استغلال مواقع النفوذ والامتياز ووضعيات الاحتكار والهيمنة والمخالفة لمبادئ المنافسة الحرة والدستور الجديد في العلاقات الاقتصادية.
3-الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة في خدمة حماية الحقوق والحرص
على احترام القوانين
في هذا الصدد نص الدستور الجديد على استقلالية السلطة القضائية عن باقي السلط الأخرى وأوكل للملك ضمانها مع التأكيد على منع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء وعدم السماح للقاضي بتلقي أي أوامر أو تعليمات أو الخضوع لأي ضغط بشأن مهمته القضائية.
ومن جهة ثانية، أوجب الدستور الجديد على كل قاض اعتبر أن استقلاله مهدد، أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية، مع العلم أن كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد، يعد خطأ مهنيا جسيما، بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة.
وينص الدستور الجديد كذلك على معاقبة القانون لكل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة، ملزما جميع القضاة بتطبيق القانون، مع الإشارة إلى أنه يتعين على قضاة النيابة العامة بالتحديد الالتزام فقط بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها.
بهذه المقتضيات نص الدستور الجديد على دسترة تجريم كل تدخل للسلطة أو المال أو أي شكل من أشكال التأثير في شؤون القضاء.
في نفس السياق، وتجسيدا لفصل السلط، استبدل المجلس الأعلى للقضاء بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية كمؤسسة دستورية مستقلة إداريا وماليا يرأسها الملك ويقوم بمهام الرئيس المنتدب لديها رئيس محكمة النقض بدل وزير العدل مع تعزيز تركيبتها من خلال الرفع من عدد القضاة المنتخبين وعضوية شخصيات ومؤسسات ذات الصلة بحماية حقوق الإنسان وبالدفاع عن استقلال القضاء.
4-المساءلة وإعطاء الحساب
بخصوص المساءلة وإعطاء الحساب كركيزة أساسية للمحاكمة الجيدة، تجدر الإشارة إلى أن الدستور الجديد كرس قاعدة تلازم ممارسة المسؤوليات والوظائف العمومية بالمحاسبة.
من هذا المنطلق عمد الدستور الجديد إلى تعزيز المراقبة البرلمانية التي عرفت تغيرا على مستوى آلياتها، حيث أصبحت شروط النصاب الضرورية لإعمالها أكثر مرونة خاصة من خلال:
-ملتمس الرقابة الذي تم حصره على مجلس النواب وحدد نصاب التوقيع عليه في خمس الأعضاء بدل الربع في دستور 1996 مع الاحتفاظ بضرورة التصويت عليه من قبل أغلبية الأعضاء والتأكيد على استقالة الحكومة استقالة جماعية عند الموافقة عليه، في حين لم يسمح لمجلس المستشارين سوى برفع ملتمس للمساءلة رفع نصابه من الثلث إلى الخمس وليس له أي أثر على استمرارية الحكومة.
-اللجان النيابية لتقصي الحقائق التي سمح الدستور الجديد بإمكانية تشكيها بطلب من
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire