مقدمة
تعد المحاكم الإدارية بالمغرب أسمى ركائز دولة الحق و القانون، حيث أناط بها المشرع ممارسة الرقابة على أعمال و تصرفات الإدارة. و تقوم هذه المحاكم ببسط رقابتها من خلال دعوى القضاء الشامل.
و بالرجوع إلى المادة 8 من القانون 41.90 السالف الذكر، تتولى المحاكم الإدارية بالبت ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة، و كذا البت في دعاوى التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال و نشاطات أشخاص القانون العام.
يتضح إذن أن المشرع قد أعطى لهذه المحاكم الاختصاص الشامل في كل المنازعات التي تكون الإدارة طرفا فيها، و الأمر يتعلق بالدرجة الأولى بدعوى القضاء الشامل.
هذا، و تجدر الإشارة أنه قبل إحداث المحاكم الإدارية سنة 1993، كان المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) يختص بالنظر في دعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة كدرجة أولى للتقاضي من خلال غرفته الإدارية، في حين كانت دعوى القضاء الشامل تندرج ضمن اختصاص المحاكم الابتدائية على أن يتم استئناف الأحكام الصادرة عنها أمام محاكم الاستئناف و الطعن فيها بالنقض أمام المجلس الأعلى.
1. المطلب الأول: دعوى القضاء الشامل.
الفرع الثاني : دعوى القضاء الشامل، شروطها و الخصائص المميزة لها
تعد دعوى التعويض من دعاوى القضاء الشامل، يلتمس فيها رافع الدعوى جبر الضرر الذي تسببت فيه أعمال و نشاطات أشخاص القانون العام.
و تجد هذه الدعوى أساسها في الفصلين 79 و 80 من قانون الالتزامات و العقود، حيث ينص الفصل 79 على أن “الدولة و البلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها”
كما أن الفصل 80 من قانون الالتزامات و العقود ينص على أن “مستخدمي الدولة و البلديات مسؤولون عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم. و لا تجوز مطالبة الدولة و البلديات بسبب هذه الأضرار إلا عند إعسار الموظفين المسؤولين عنها”.
هذا، و بفضل الاجتهاد القضائي المغربي الحريص على الدفاع عن حقوق الأفراد
و حرياتهم، تم تطوير الخصائص المميزة للمسؤولية في هذا النوع من الدعاوى مقارنة بتلك المتعلقة بالقانون المدني، حيث أن مسؤولية الإدارة يمكن أن تنعقد بناء على نظرية المخاطر، خلافا لمرتكزات المسؤولية المدنية التي تقوم على الخطأ، الضرر و العلاقة السببية بينهما، ذلك أن القضاء الإداري يكتفي بترتيب مسؤولية الدولة بوجود علاقة سببية بين النشاط
أو التصرف الصادر عن الإدارة و الضرر.
الفقرة الأولى : شروط و مسطرة دعوى القضاء الشامل :
إن مسطرة دعوى القضاء الشامل تختلف تماما عن دعوى قضاء الإلغاء، ذلك أن هذه الأخيرة تسجل مجانا و داخل أجل قصير نسبيا (60 يوما ابتداء من تاريخ نشر أو تبليغ القرار المطعون فيه) في حين تؤدى الرسوم القضائية في طلبات التعويض باعتبارها تدخل في إطار القضاء الشامل، كما أن أجل رفعها طويل ما دام أنها تخضع لأجل التقادم الذي يختلف باختلاف الحالات.
الفقرة الثانية : خصائص و مميزات دعوى القضاء الشامل
بخلاف دعوى الإلغاء، فإن دعوى القضاء الشامل تتميز بعدم المجانية و كذا بانتمائها للقضاء الشخصي.
1) عدم مجانية دعوى التعويض
مما لا شك فيه، أن رافع دعوى المسؤولية الإدارية يتوخى الحصول على تعويض مادي عن الضرر الذي لحق به، و بذلك فهو يدافع عن حق شخصي، و من تم فالمنطق الذي اعتمد عليه المشرع في إعفاء دعوى الإلغاء من الرسوم القضائية يغيب في دعوى التعويض، ذلك أن المتضرر في دعوى الإلغاء لا يدافع عن حق مادي بل يطلب تطبيق القانون الذي يمثل مبدأ المشروعية.
2) دعوى التعويض تنتمي إلى القضاء الشخصي
قلنا سابقا إن دعوى الإلغاء دعوى عينية موضوعية تستهدف إعلاء الشرعية، فإن دعوى التعويض هي دعوى يرفعها المتضرر من نشاط الإدارة و أعمالها بهدف جبر هذا الضرر أي أن المتضرر لا يستند على خرق مبدأ المشروعية بقدر ما يستند على ضرر وقع له بدون وجه حق و بالتالي وجب تعويضه عن هذا الضرر.
و ينتج عن الطبيعة الشخصية لدعوى التعويض أن آثارها لا تنصرف إلى العموم كما هو الشأن بالنسبة لدعوى الإلغاء بل تقتصر على صاحب الدعوى الذي وقع عليه الضرر.
و تجدر الإشارة في هذا الصدد، أن سلطة القاضي الإدارية في دعوى القضاء الشامل هي أكثر اتساعا من سلطته في دعوى الإلغاء، فالقاضي في الإلغاء “يقضي و لا يدير” أي يكتفي بإلغاء القرار الإداري متى كان مشوبا بعيب من عيوب المشروعية، بينما القاضي في إطار دعوى القضاء الشامل قد يعمد إلى تغيير بعض المراكز القانونية للأفراد.
بعدما تطرقنا إلى تعريف دعوى الإلغاء و دعوى القضاء الشامل و الخصائص المميزة لكل منهما، ما هو رأي الاجتهاد القضائـــي في إمكانيـــة الجمع بين الدعوييـــن في عريضة واحدة ؟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire