-->
404
نعتذر , لا نستطيع ايجاد الصفحة المطلوبة
  • العودة الى الصفحة الرئيسية
  • lundi 29 janvier 2018

    الجريمــة الإلكتـرونية وأزمــة الشرعيــة الإجـرائيـة

    الجريمــة الإلكتـرونية وأزمــة الشرعيــة الإجـرائيـة

    الجريمــة الإلكتـرونية وأزمــة الشرعيــة الإجـرائيـة

    الجريمــة الإلكتـرونية وأزمــة الشرعيــة الإجـرائيـة
    الجريمــة الإلكتـرونية وأزمــة الشرعيــة الإجـرائيـة
    الجريمــة الإلكتـرونية وأزمــة الشرعيــة الإجـرائيـة



    يشهد العالم في الوقت الراهن تقدما هائلا تتجلى أبرز مظاهره في التكنولوجيا الجديدة للمعلوميات والاتصالات، ولا شك أن هذه التكنولوجيا الحديثة تقدم للدول وأجهزتها الأمنية الكثير من الإمكانات التي تسهم في رفع كفاءات وتطوير قدرتها على التصدي للجريمة، إلا أن هذا التطور التكنولوجي أدى ويؤدي في الوقت نفسه إلى تطوير وتحديث الجريمة من حيث الأساليب والمضامين، فكل الوسائل التقنية الحديثة تثير مسألة الحماية القانونية لها.
    فظهور المعلوميات أدى إلى بروز مشاكـل قانونية جديدة، أي ظهور ما يسمى بــ " أزمة الشرعيـة الإجـرائيــة"، التي هي مظهر من تمظهرات أزمـة السياسة الجنائيـة بالمغرب. ولما كان القاضي الجنائي مقيدا بمبدأ شرعية الجرائم، فإنه لن يستطيع أن يجـرّم أفعالا لم ينص عليها المشرع، حتى ولو كانت أفعالا مستهجنة، ومهما بالغ المشرع في حماية المراكز القانونية للأفراد في المنظومة الجنائية، فإن نجاحه يظل مرتهنا بمدى فاعلية التنظيم الإجرائي الذي يضمن تحقيق الهدف من العقـاب.
    إن ما أفرزتـه الصدمـة المعلوماتيـة، والتي أربكت المجتمع والمشرع الجنائي، أدت إلـى أفــول أهـم المبادئ المؤثثة لمقتضيات قانون المسطرة الجنائيـة المغربي، وبروز أزمـة ما زالت تلقي بظلالها على التشريع الجنائي الإجرائي المغربي، أربكـت المشرع الجنائي، وغدت المجهودات الفرديـة لكل دولة تقـف عاجزة عن التصدي لهذا النمط المستحدث الذي توصـف أفعاله الإجرامية بأنها عابرة للحدود، والتي يتسم فيها سلوك المجرم المعلوماتي بملكات ذهنية ومهارات تقنيـة، عجزت الآلـة التشريعية على احتوائها ومكافحتها.
    هكـذا قلبت الجريمة الإلكترونية العديد من المفاهيم القانونية السائدة سواء على مستوى القانون الموضوعي من حيث التجريم والعقاب بفعل ازدواجية طبيعتها بين جريمة إلكترونية محضة تستهدف الأنظمة و البيانات الإلكترونية في حد ذاتها، أو كجريمة عادية مرتكبة بواسطة تقنية المعلومات كآلية من أجل التواصل و التخطيط لتنفيذ المشاريع الإجرامية، أو على مستوى القانون الإجرائي بفعل تغلبها على القواعد المسطرية المقررة كأصل عام للبحث و ملاحقة مرتكبي الجرائم العادية و محاكمتهم، مما يتعين القول معه بأن الإجرام المعلوماتي قد أحدث ثورة في فلسفة التجريم و العقاب و الإجراءات الجنائية.
    وإذا كان البحث في مسألة قدرة القواعد الإجرائية التقليدية في ضبط الجريمة الإلكترونية أمرا صعبا فإن الصعوبة تنطلق من إعطاء مفهوم للجريمة الإلكترونية ذاتها ، لذلك يذهب معظم المهتمين إلى القول بأن الجريمة الإلكترونية باعتبارها مظهرا جديدا من مظاهر السلوك الإجرامي لا يمكن تصورها إلا من خلال ثلاث مظاهر ، إما أن تتجسد في شكل جريمة تقليدية يتم اقترافها بوسائل إلكترونية أو معلوماتية ، أو في شكل استهداف للوسائل المعلوماتية ذاتها وعلى رأسها قاعدة المعطيات و البيانات أو البرامج المعلوماتية ، أو أن يتم اقتراف الجرائم العادية في بيئة إلكترونية كما هو الأمر بالنسبة لجرائم الصحافة.
    فلقد أثارت هذه الجريمة بعض التحديات القانونية و العملية أمام الأجهزة المعنية بالبحث عن الجرائم و ضبطها، وخصوصا فيما يخص مباشرة إجراءات البحث والتحري التقليدية في بيئة افتراضية لا مكان فيها للأدلة المادية ، مما أظهر مدى الحاجة إلى تطوير آليات البحث بما يتلاءم و خصوصيات هذه الجرائم ، وجعل مسألة ملاءمة الإجراءات الجنائية في البحث والتحري مع خصوصية الجريمة الإلكترونية تستأثر باهتمام المشرعين في مختلف الدول.
    وتقعيـدا عليه، سنحاول من خلال هذه الدراســة رصـد ملامـح أزمـة الشرعيـة الإجـرائيـة في ضوء تنامي ظاهرة الجرائـم الإلكترونية، ومناقشــة أهم الإشكالات التي تثيرها الجريمة الإلكترونية على المستوى الإجرائي والمتمثلة في قصــور القواعد الإجرائية التقليدية في ضبط الجريمة الإلكترونية ، ولذلك سيتم الانطلاق من الإشكال المركزي التالي:
    إلــى أي حـد ساهـت الجريمــة الإلكترونيــة في بـروز أزمــة الشرعيــة الإجـرائيـة وقصــور القواعد الإجرائية التقليدية في ضبط الجريمة الإلكترونية وعدم قدرتها على استيعاب مختلف إجراءات البحث المنجزة بشأنها ؟
    للإجابــة عن هذا الإشكال المركزي وجملـة من الإشكاليات المتفرعـة عنه، سوف ترتكـز منهجيــة التحليـل في هذا الموضوع وفـق المباحـث التاليــة:

    المبحث الأول : قواعـد الاختصـاص والإثبات الجنائي في المجال الإلكتروني و علاقته بمبدأ الشرعية الإجرائية

    تعـد قواعـد الاختصـاص والإثبات الجنائـي من أهـم المواضيـع التي تثـير غمرة الباحـث في المادة الإجرائيـة، خصوصا إذا كانت لهذه المواضيـع ترابـط بالمجال الإلكتروني، الذي يتسـم بعدم الانضبـاط والتشرذم، مما يجعلنا والحالـة هاتـه أمام أزمـة تخيـم على التشريـع الإجرائي وتجعــل شرعيتـه في مهـبّ الأفـــول.

    المطلب الأول: إشكاليـة الاختصاص في الجرائـم الإلكترونية وملامـح أزمـة الشرعيـة الإجرائيـة
    سنتناول من خلال هذا المطلب مفهــوم الشرعيــة الإجرائيــة في ( فقرة أولى)، على أن نناقـش بعـض مظاهـر قصــور قواعـد الاختصـاص في مواجهــة الجريمـة الإلكترونيــة ( فقرة ثانية) .

    الفقـرة الأولـــى : مفهوم الشرعية الإجرائية
    إذا كانت النصوص الجنائية الموضوعية محكومة بمبدأ "لا جريمة ولا جزاء إلا بنص" فإن القواعد المسطرية الجنائية محكومة بمبدأ " الشرعية الإجرائية " ، والذي يقوم على أساس تحديد الإجراءات الواجب إتباعها خلال مختلف مراحل الخصومة الجنائية، من لحظة وقوع الجريمة وإلى غاية صدور حكم نهائي فيها وتنفيذه، وأن تكون هذه الإجراءات صادرة من الجهة المختصة بذلك .
    فلا شك في أن مبدأ " لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص " ، لا يكفي لحماية حرية الإنسان من تعسف السلطة إذا أمكن القبض عليه وحبسه وإدانته دون افتراض براءته وتحميلـه عبئ إثبـات براءته من الجريمة المنسوبة إليه، ويؤدي إلى قصور الحماية التي يكفلها مبدأ الشرعية العقابية، لذلك كان من الضروري أن يكون هناك مبدأ آخر وهو مبدأ الشرعية الإجرائية الذي يفرض أن يكون القانون هو المصدر للتنظيم الإجرائي، وأن يفترض هذا التنظيم براءة المتهم في كل إجراء من الإجراءات التي تتخذ قبله، وأن تخضع جميع إجراءات المحاكمة إلى إشراف القضاء، ويتحدد جوهر الشرعية الإجرائية في افتراض براءة المتهم ، وذلك لضمان حرية الإنسان الشخصية .
    وإذا كان مبدأ الشرعية الإجرائية غير مقرر صراحة في قانون المسطرة الجنائية ، فإن الدستور المغربي لفاتـح يوليوز 2011 كرسه ضمنيا في الفصل 23 منه والذي جاء فيه : " لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون ". ذلك أن قراءة متمعنة لهذا الفصل تفيد ضرورة مراعـاة مبدأ الشرعية الجنائية في شموليته ، ففي عبارة " إلا في الحالات " تجسيد لمبدأ الشرعية الجنائية الموضوعية ، أما عبارة " وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون" فهي تكرس مبدأ الشرعية الجنائية الإجرائية، وهكذا فالمشرع الدستوري ألزم أجهزة العدالة الجنائية أثناء القيام بمختلف الإجراءات المتعلقة بالخصومة الجنائية احترام النصوص المسطرية المنصوص عليها قانونا، ذلك أن إهمال هذه الإجراءات و عدم التقيد بها من شأنه أن يمس بحقوق الأفراد و حرياتهم، وأن يفتح الباب أمام التعسف والتحكم، و هكذا إذن كان لابد من وجود الشرعية الإجرائية تنظيما للإجراءات التي تتخذ ضد المتهم على نحو يضمن احترام حريته الشخصية و صون كرامته الآدمية و ذلك عن طريق اشتراط أن يكون القانون هو المصدر للتنظيم الإجرائي و أن يفترض هذا التنظيم براءة المتهم بالنسبة لكل الإجراءات التي تتخذ ضده، و أن يتوج ذلك بخضوع الإجراءات لضمان القانون، فإذا صدر حكم بإدانة المتهم سقطت عنه قرينة البراءة وأصبح المساس بحريته أمرا مشروعا بحكم القانون .
    إن الغايات التي قرر من أجلها مبدأ الشرعية الإجرائية، لهي غايات نبيلة وذات أهمية عظمى، ذلك أن التقيد بمبدأ الشرعية الإجرائية ، وما يستلزمه من ضرورة الرجوع إلى النصوص القانونية عند القيام بأي إجراء من إجراءات الخصومة الجنائية من شأنه أن يمنع أي محاولة للتعسف أو المس بحقوق الأفراد وحرياتهم، ومن جهة أخرى، لو ترك أمر البحث عن الجناة و تعقبهم و التحقيق معهم و البحث عن الأدلة ووسائل الإثبات و محاكمتهم، وتوقيع الجزاء عليهم ،لو ترك ذلك دون تقييد أو تحديد مسبق من المشرع بنصوص قانونية، لأدى إلى نشوء إجراءات عرفية، قد تختلف من جهة قضائية إلى أخرى، وبالتالي تختلف نوع و حجم الضمانات الممنوحة لأطراف الخصومة الجنائية، مما يشكل خرقا لمبدأ " مساواة الأفراد أمام القضاء ".
    الفقـرة الثانيـــة : إشكاليـة الاختصاص في الجرائـم الإلكترونية
    أمام الطبيعـة الخاصـة التي تمتـاز بها الجريمـة الإلكترونيـة والخصوصيـات المتعددة التي تحيـط بها- ولعـل أهمهـا اعتبـارها جريمـة عابـرة للحـدود- جعلها تستعصي على القواعـد التي تحكـم مسألـة الاختصـاص المكانـي، التي تخضـع لها الجرائـم التقليديـة. فطابعهـا الافتراضـي دفـع بالبعـض لحـد القـول أن الجرائـم الإلكترونيـة لا تتلاءم مـع معيـار محـل وقـوع الجـرم الذي يتـم اعتماده لتمديد المحكمة المختصـة مثـلا، هذا القـول يجـد مبـرره في كـون هذه الجرائـم لا تعترف بالحدود الجغرافيـة والسياسيـة للدول، والـذي تطبـق الدولـة قانونهـا السـاري على إقليمهـا لبسـط سيادتـها وهيمنتهـا، فقـد أصبـح العالـم يواجـه جرائـم تتم في فضـاء إلكتروني معقـد، يتمثـل في شبكـة اتصـال لا متناهيـة الامتداد، ولا تـرى بالعيـن المجـردة ولا تتبـع لأي سلطـة حكوميــة، فالسلـوك المرتكب في الجرائـم الإلكترونيـة يتجاوز المكـان بمعنـاه التقليدي، ولـه وجود حقيقي وواقعـي ولكنـه غير محدد المكـان.
    فالثابت أن موضوع الاختصاص في الجريمة الإلكترونية و في غياب إطار تشريعي يحكمه و ينظمه يتم التعامل معه وفق قواعد الاختصاص المكاني، و هذا ما يطرح جملة من الصعوبات، خصوصا أن مكان ارتكاب الجريمة الإلكترونية و الذي يكون دائما في البيئة الافتراضية غير الملموسة يختلف عن مكان ارتكاب باقي الجرائم التقليدية الأخرى في العالم المادي الملموس، لذلك فإن تطبيق القواعد التقليدية التي تحدد معايير الاختصاص لا تتلاءم مع طبيعة الجريمة الإلكترونية، حيث يصعب تحديد مكان وقوع الفعل الجرمي في هذه الجرائم، فمن الصعوبات التي تطرحها الجريمة الإلكترونية هي الحالات التي يتوزع فيها السلوك المادي للجريمة في أكثر من دولة، كأن يقع السلوك الإجرامي في دولة في حين تتحقق نتيجته الإجرامية في دولة أخرى، ويكون بالتالي قانون كل دولة تحقق فيها أحد عناصر الركن المادي للجريمة قابلا للتطبيق، مما يؤدي إلى تنازع ايجابي في الاختصاص بين أكثر من تشريع وطني و بين أكثر من دولة لملاحقة نفس النشاط الإجرامي، كما في حالة ارتكاب فعل التهديد عبر الرسائل الالكترونية حيث قد يرتكب الفعل المادي في بلد ويتلقاه الضحية في بلد أخر بعد أن تمر في كثير من الأحيان بأكثر من دولة قبل وصولها إلى دولة الاستقبال.
    وعليه يمكن القول أن قواعد الاختصاص القضائي المنصوص عليها في القوانين الإجرائية صيغت لكي تحدد الاختصاص المتعلق بجرائم قابلة للتحديد المكاني، وبالتالي لا ينبغي إعمالها بشأن الجريمة الإلكترونية والتي ترتكب في فضاء تنعدم فيه الحدود الجغرافية، يبقى معها أمر تحديد مكان ارتكاب الجريمة في غاية الصعوبة، الأمر الذي أصبح يتطلب إيجاد قواعد إجرائية تحكم مسألة الاختصاص في هذه الفئة من الجرائم بما يتناسب مع طبيعتها الخاصة.
    وأمام هذا الوضع أصبح الاحتكام إلى معايير الاختصاص المكاني التقليدية متجاوزا أمام الطبيعة العابرة للحدود التي تتميز بها الجرائم الإلكترونية، في ظل ظهور معايير أخرى مرتبطة ببعض الفئات المستهدفة من الجريمة الإلكترونية كما هو الحال في جرائم الصحافة والجرائم المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية والجرائم المتعلقة بالأحداث والمرتكبة عبر الفضاء الإلكتروني.
    فلقد أوجدت معايير جديدة لانعقاد الاختصاص تتجاوز المعايير التقليدية التي يتم اللجوء إليه من أجل تقرير ضوابط الاختصاص في مختلف الجرائم العادية الأخرى، وذلك انطلاقا من مجموعة من الاجتهادات القضائية الفرنسية في هذا المجال، هذه المعايير مرتبطة بالخصوص ببعض الجرائم كما أشرنا إلى ذلك وكما هو الحال في جرائم الصحافة المرتكبة في البيئة الرقمية ، حيث أنه من بين المعايير التي ظهرت إلى الوجود والمرتبطة أساسا بهذا النوع من الجرائم، المعيار الذي يعطي الاختصاص لمحل تمركز الموقع الذي نشرت الأقوال أو المعلومات بواسطته، كما ظهرت معايير جديدة ترتبط بالجرائم الماسة بحقوق الملكية الفكرية، كما هو الحال في جرائم التقليد عبر الأنترنيت، حيث يرجع الاختصاص إما لمحكمة المكان الذي ارتكب فيه التقليد وإما مكان نشره، أو معيار إمكانية الوصول للموقع كأساس لاختصاص المحكمة في حالة الاعتداء على حق من حقوق المؤلف من خلال الأنترنيت.
    بالإضافة إلى هذه المعايير تم إيجاد معايير أخرى مرتبطة أيضا بالجرائم المرتكبة ضد الأحداث حيث أن الاختصاص في هذا النوع من الجرائم ينعقد لمكان ارتكاب الجريمة ، و مكان ارتكاب الجريمة هذا يأخذ المعايير التالية و التي يتم تقديمها بالأسبقية وهي:
    - المكان الذي شوهد فيه وجود الموقع غير المشروع أو الذي تم فيه مشاهدة الصور و النصوص ذات الطبيعة غير المشروعة.
    - المكان الذي يوجد فيه خادم الإيواء إذا ظهر بعد المعاينات الأولى أن الموقع يمكن تحديده من خلال التراب الإقليمي.
    المطلـب الثانـي : الإثبات الإلكتروني في الميدان الجنائي وعلاقتـه بمبدأ الشرعيـة الإجرائيـة
    الفقـرة الأولـى: خصوصيــات الإثبات الإلكتروني في الميدان الجنائي
    إن تفحص القواعد العامة للإثبات الجنائي عموما، من ناحية الجهات التي أوكل إليها المشرع المغربي الاختصاص الحصري في البحث والتحري والتحقيق لرصد أغوار وواقع الجرائم المعلوماتية، مازال يعتريه القصور الإجرائي الواضح والشامل للقاعدة القانونية المعلوماتية ، فهي لازالت قاصرة على الإحاطة المسطرية بمسرح الجريمة الإلكترونية لعالم افتراضي دقيق وحساس ومتغير وغير ثابت ووقتي. لكن رغم هذه المعطيات والمعيقات للظاهرة المرصودة وطنيا ودوليا، نثمن الجرأة والحزم والفطنة والتكيف الآني الذي يتعامل به القضاء المغربي في تكييفه لبعض الجرائم المعلوماتية والمعطيات الإلكترونية، طبقا للقواعد العامة المضمنة في القانون الجنائي، من منطلق الفصول الواردة في الباب العاشر : " المس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات " من الفصول 3-607 إلى 11-607 ، أو فصول أخرى تعنى بجرائم أخرى : الفصل 540 المتعلق بجريمة النصب ، الفصول 575 إلى 579 التي تهم بعض الاعتداءات على الملكية الأدبية والفنية ... وغيرها، خدمة للعدالة الجنائية رغم قصور النص القانوني وبروز أزمــة الشرعيـة الإجرائيـة لدى المشرع الجنائي المغربي.
    فإثبات الجرائم الإلكترونيـة تكتنفـه صعوبات جمة ترجع لأسباب عديدة أهمها عدم وجود أثر مادي للجريمة المرتكبة،كما أن الجاني يستطيع تدمير دليل الإدانة في أقل من ثانية، والأكثر من ذلك أن الإجرام المعلوماتي لا يعترف بالحدود إذ أن الجريمة قد تتم من مسافات بعيدة عبر اتصال هاتفي يمكن للجاني من خلاله إعطاء تعليماته للحاسب الآلي، ومما يزيد من استعصاء إثبات هذه الجرائم أن المجني عليهم يحجمون عن الإبلاغ عن وقوعهم ضحية لها، بل حتى في حالة استطاعة السلطات المعنية وضع يدها على البعض منها فإن الضحايا يمتنعون عن مساعدة هذه السلطات أملا في استقرار حركة التعامل ويفضلون إخفاء أسلوب ارتكاب الجريمة مخافة إتاحة الفرصة للآخرين لتقليدها، كما أن الكشف عن الجرائم التي تقع ضحية لها المؤسسات من شأنه الإضرار بها نتيجة ضياع ثقة المساهمين والمتعاملين معها، إذ يظهر لها أن المحافظة على ثقة مساهيمها وعدم زعزعة سمعتها وشهراتها أفيد بكثير من الإبلاغ عن بعض الجرائم التي ترتكب ضدها، وقد لا تجني شيئا من وراء تقديم شكايات بشأنها لصعوبة إثباتها ولاستحالة العثور على مقترفيها، ولذلك يبقى من الأفضل بالنسبة إليها تسوية المشكل داخليا حتى ولو كلفها الأمر التضحية بمبالغ مالية كبيرة،أضف إلى ذلك أن مقترفي هذا النوع من الجرائم لا يخضعون لأي مراقبة قبلية أثناء إقدامهم وتصميمهم على ارتكابها، فغياب هذه المراقبة والتطور السريع الذي يعرفه مجال المعلوميات يساعد في ذلك.
    إلى جانب ذلك فإن المعطيات المتداولة من صوت وصورة وكتابة، سواء اتخذت شكل تجميع للمعطيات أو برامج حاسوب تتمثل كلها في أنظمة التشغيل في شكل إلكتروني يتجسد في وحدات حسابية وفي أنظمة التطبيق، تندثر بسهولة فائقة إذ يكفي الضغط على زر في لوحة الاستخدام لزوال ملفات أو قواعد معطيات وأنظمة بأكملها، من هنا تأتي مشكلة ضبط هذه المعلومات وإحرازها في شكل إلكتروني ووضعها في قالب قانوني لاستغلالها في الإثبات، وإذا كانت بعض التجهيزات تسمح بالوصول إلى هذه المعطيات التي يبقى في ذاكرة الحاسوب المستعمل إلا أنها تتطلب خبرة عالية، وينضاف إلى هذا مشكل الولوج إلى بعض المعلومات المحفوظة تحت رقم أو رمز سري أو المشفرة كليا، أما المستندات والوثائق التقليدية من أوراق مطبوعة أو كتابات خطية أو حتى دعامات إلكترونية من أقراص صلبة أو مرنة التي قد تساعد في تذليل صعوبات الإثبات، فإنها لا تتاح دائما لاسيما في مواجهة أشخاص سيئ النية أو مجرمين متمرسين،فعلاوة على لجوء هؤلاء إلى تطهير المحيط الذي يعملون فيه، فهم يعمدون دائما إلى حفظ المعطيات ياستعمال أرقام أو رموز سرية أو حتى استعمال تقنية التشفير، كما أن المعالجة الآلية للمعطيات في الملفات الإلكترونية أو المخزنة في ذاكرة الحاسوب والتي يتم حجزها يمكن أن تشكل عائقا أمام نسبة معطيات إلكترونية إلى شخص محدد بعينه بشكل يقيني، فالبصمات أو الآثار الشخصية أو التوقيع إن كان هناك توقيع أو بصمات فلا تدل على شخص معين، لأن هذه الآثار الشخصية لا تكون مجسدة ماديا أو حتى إلكترونيا في كثير من الأحيان بقدر ما يستدل عليها بقرائن الأحوال كحيازة حاسب آلي أو القن أو الرقم السري للولوج إلى المعلومات أو لاستخدامه،وأيضا التوفر على المهارة التقنية للقيام ببعض التطبيقات المعقدة أو للهجوم على قاعدة المعطيات أو على نظام.
    وعلى صعيد آخر فالمعطيات التي تعتبر أداة للجريمة وموضوعا لها، وأحيانا نتيجة متحصلة هي من الهشاشة، بحيث تكفي عملية نقر على رمز لمسح وإزالة المعطيات التي يمكن اعتمادها في الإثبات، كما أن شبكة الأنترنيت توفر لمستعمليها هامشا كبيرا من الحرية للبقاء في الظل ما دامت لا تتطلب التعريف بهوية القائمين بإحداث مواقع إلكترونية أو مستعملي خدمات البريد الإلكتروني، وحتى في مجال التجارة الإلكترونية التي يفترض فيه تعريف الطرفين البائع والمشتري كل واحد منهما بنفسه بالشكل الكافي لأداء الثمن عبر الشبكة بصورة إلكترونية فهو أمر ليس مضمونا دائما في مجال المعاملات عن طريق الأنترنيت بسبب تفشي أعمال سرقة الهوية أو انتحالها أو استعمال هويات لإيقاع الغير بالغلط.
    ولعل قرصنة بطائق الغير البنكية وأرقامها، والأمر بتحويل الأموال من حساب بنكي لآخر، وسحب الأرصدة المالية للغير خير دليل على ذلك إذ يصعب إثبات هذه الأفعال الجرمية في غالب الأحيان وإن تم اكتشاف مرتكبيها فبعد مشاق عديدة.
    فالحاسوب وإن كان يستخدم في ارتكاب جرائم إلكترونية، فإنه مع ذلك يلعب دورا مهما في اكتشافها وتتبع فاعليها رغم الصفات الإسثتنائية التي يمتازون بها من ذكاء وعلم بليغ بوسائل التكنولوجيا، ذلك أن تحليل معلومات يحتويها جهاز حاسوب أحد المجرمين ساعد على تحديد مكان فندق بالرباط قرصنت به مجموعة من البطائق البنكية بلغ عددها خمسة وأربعين بطاقة، ومكن من التعرف على المستخدم الذي قام بالعملية لفائدة ذلك المجرم .
    وغني عن البيان أن الحاسوب أصبح يشكل الركيزة الأساسية في إنتاج وتداول المعلومات إذ يعتمد في أسلوب عمله على البرنامج الذي يشكل القلب النابض بالنسبة إليه، فهو الذي يوجهه ويحدد مسار عمله وطريقة تنفيذه للأوامر والمعلومات الموجهة إليه، كما أن التطور المستمر والمتنامي الذي تعرفه تكنتولوجيا المعلومات بالموازاة مع النمو السريع الذي عرفته تكنولوجيا الاتصال ساهم بدرجة كبيرة في تعدد أنماط جرائم المعلوميات.

    الفقرة الثانية : علاقـة مبدأ الشرعية الإجرائية بالدليــل الإلكترونــي
    يرتبط الدليل عموما بفكرتي الشرعية والحقيقة، فمن جهة يعتبر الدليل الوسيلة الوحيدة للوصول إلى الحقيقة المراد إثباتها أمام القضاء ، ومن جهة أخرى يجب أن يتميز هذا الدليل بكونه مشروعا أي تم الحصول عليه وفق ما يقتضيه القانون، وإذا كان الحصول على الدليل يجب أن يجسد فكرة الانضباط لروح القانون، فإن هناك مجموعة من الأفراد قد يتلاعبون بالأدلة التي قد تثبت إدانتهم فتضيع حقوق الضحايا وتندثر الأدلة ولا يحصلون جراء ذلك على حقوقهم، كما لا يحصل المجتمع باعتباره المتضرر الأكبر من الجريمة على حق في معاقبة الجاني.
    لذلك فإن الموازنة بين حق الفرد المتهم من جهة وحقوق المجتمع من جهة أخرى وبين احترام القواعد الشرعية والقانونية أثناء البحث عن الدليل في البحث الجنائي عموما وفي مجال الجريمة الإلكترونية على وجه الخصوص تعتبر أساس سؤال شرعية الدليل ذاته.
    فالأدلة الإلكترونية الجنائية ھي وسيلة للتوصل إلى الحقيقة، إلا أن الوصول إلى الحقيقة يلـزم أجھزة إنفاذ القانون ضرورة التقيد بالشرعية في تحقيق ھذه الغاية التي يقوم عليھا الإثبات الجنائي. وتجدر الإشارة أن الشرعية تكتسي مدلولا فضفاضا، يتجاوز مفھوم الشرعية الذي يعني مجرد مطابقة الإجراء للقاعدة القانونية المكتوبة، ليشمل فوق ذلك ضرورة أن يكون متوافقا مع مقتضيات الأمانة والنزاھة التي يفترض توافرھا في الشخص القائم بالإجراء.
    ومن المعلوم أن الشرعية في الحصول على الدليل الجنائي بصفة عامة تجد مضمونھا وفكرتھا من عدة مصادر تشمل الاتفاقيات الدولية واجتھادات القضاء التي تستبعد فكرة الدليل المتولد عن إجراء غير مشروع، إلا أن افتراض الشرعية في الحصول على الدليل كأساس للوصول إلى الحقيقة قد يكون سببا معيقا لذلك الوصول، وھو الأمر الذي دفع بالقضاء إلى البحث عن الحقيقة باعتبارھا غاية المشرع من إقرار قواعد الإثبات وأن الأدلة التي لا توصل إلى إقرار الحقيقة لا قيمة لھا ولا تنسجم وإرادة المشرع.
    وقد اختلف الفقه بين مؤيد ومعارض لھذا التوجه الذي استقر عليه القضاء في الأخذ بفكرة الدليل غير المشروع لأن البحث عن الحقيقة يبرر الوسيلة من منظور ھذا الاتجاه الذي يقبل بحقيقة الدليل الإلكتروني الجنائي الذي يتم التوصل إليه بطريقة غير مشروعة، فھاجس ھذا الاتجاه يبقى منحصرا في تحقيق العدالـة، باعتبارها هي غايـة المشرع من النصوص القانونية، لكن هذا الهاجس يتناقـض مع الرأي الذي يقـول أن الإثبات يقتصـر على إثبـات الوقائـع لا بيـان وجهـة نظـر المشرع وحقيقـة قصده، فالبحث يتعلق بتطبيق القانون وتفسيره، وهو عمل تضطلـع به المحكمة لوحدهـا.
    والملاحظ أن معظم التوجھات القضائية وعلى وجه الخصوص الفرنسية بعدما كانت حريصة على مسألة الشرعية في الوصول إلى الدليل الجنائي وذلك استنادا على بعض القرارات الصادرة عنھا، بدأ ھاجسھا ينصب نحو الوصول إلى الحقيقة حتى وإن كانت طريقة تحقيق ذلك غير مشروعة. ومن الأمثلة القضائية التي تأخذ بفكرة الدليل الإلكتروني الجنائي غير المشروع القرار الصادر عن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض الفرنسية بتاريخ الذي جاء فيه “إن التسجيلات المتحصل عليھا بشكل سري لا تنسجم مع مقتضيات المادة 170 من قانون المسطرة الجنائية ومن تم يجب الحكم بإلغاءھا لكن من الممكن أن يتم مناقشتھا أثناء الخصومة". فالقضاء الفرنسي من خلال مقتضيات ھذا القرار اعتبر أن التسجيلات المتحصل عليھا بطريقة غير مشروعة في الأصل يجب الحكم بإلغائھا لكونھا تتناقض مع مقتضيات المادة 170 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسية، إلا أنه قبل بالدليل الإلكتروني الجنائي كدليل يمكن مناقشته، مما يفيد أن القضاء الفرنسي بدأ يتجه نحو تكريس الاتجاه الذي يقبل بقيمة الدليل الإثباتية بقطع النظر عن قيمته القانونية. و الملاحظ أن فكرة قبول الدليل الإلكتروني الجنائي الذي يتم التوصل إليه بطريقة غير مشروعة بھدف تحقيق غاية العدالة، يكرس لا محال النظرية الفقھية المتطرفة التي يصطلح عليھا بنظرية القانون الجنائي للعدو ،حيث تتحصل ھذه النظرية في ضرورة معاملة المجرمين لا كموطنين خرجوا عن جادة الصواب، وإنما كأعداء يجب توقي شرھم بأية طريقة كانت ومھما كلف ذلك من ثمن دون التقيد بمفھوم الشرعية الموضوعية والإجرائية.
    وصفوة القول أن التوجه الذي يقبل بفكرة الدليل الإلكتروني الجنائي المتحصل دون التقيد بالشكليات الإجرائية يعكس لا محال الخرق الصريح لمبدأ الشرعية الإجرائية ويمس بضمانات المحاكمة العادلة الذي تدافع عنه معظم المواثيق الدولية، ويتناقض مع المبادئ التي تقرھا نفسھا القوانين الإجرائية و المتمثلة في ضرورة خضوع أي إجراء تقوم به جھات البحث والتحري لروح ومضامين القانون وإلا اعتبر باطلا. كما أن ھذا التوجه يعبر بشكل جلي عن مدى القصور الذي يشوب الدليل الجنائي بصفة عامة و الدليل الإلكتروني الجنائي بصفة خاصة عن إثبات بعض الجرائم عندما يتقيد بالشرعية، ولذلك فمھما اتسم الدليل الإلكتروني الجنائي بنفس الخصائص و السمات التي تميز الجريمة الإلكترونية كجريمة غير مرئية لا تجد ضالتهـا إلا في عالم افتراضي منعدم الحدود، إلا وسيتعارض مع جدار الشرعية الذي يقيده بضرورة الخضوع إلى إجراءات قد تحد من فعاليته وتجعله قاصرا عن إثبات الجريمة.
    وعلى ھدي ما سبق، فحتى يتسم الدليل الإلكتروني بالفعالية في إثبات سواء الجريمة التقليدية أو الجريمة الإلكترونية، لابد وأن يتجرد من فكرة الشرعية وأن يكون الھدف ھو الوصول إلى الحقيقة التي ھي مناط تحقيق متطلبات العدالة وإرادة المشرع من خلق تلك الإجراءات الجنائية. و لكن مھما تعددت الأسباب الدافعة إلى ترجيح متطلبات العدالة على مفھوم الشرعية، فإن العدالة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتحقق إلا من خلال تقيد جھات إنفاذ القانون بمفھوم الشرعية، لأن الھدف الأساس من وضع النصوص القانونية قبل تحقيق متطلبات العدالة ھو احترام تطبيق تلك النصوص على أرض الواقع، والتي تعبر ھي أخرى عن إرادة المجتمع، فقواعد العدالة تأبى أن تتأسس على إجراءات لا تتسم بالشرعية، لأن في اطمئنان الأفراد إلى صحة الإجراء ما يجعله يثق في القضاء والعدالة، وفي حالة الاستناد على إجراءات غير صحيحة فإن ھذا التوجه يفقد الأفراد ثقتھم في القضاء. وھذا الموقف الذي ندافع عنه ھو الذي تم تكريسه في أحد القرارات الصادرة عن محكمة النقض المصرية في 09/04/1973، حيث جاء فيه: "إن إفـلات مجرم من العقاب لا يضر العدالة بقدر ما يضرھا الاقتيات على حريات الناس والقبض عليھم بدون وجه حق".

    المبحث الثاني : الجوانب الإجرائية المتعلقة بالبحث والتحري عن الجريمة المعلوماتية ومدى ملاءمتها مع مبدأ الشرعيـة الإجرائيـة

    المطلب الأول : الجوانب الإجرائية المتعلقة بالبحث والتحري عن الجريمة المعلوماتية

    أقرّت اتفاقية بودابست التي تم إقرارها بتاريخ 23 نونبر 2001، مجموعة من القواعد الإجرائية الخاصة بمرحلة البحث والتحري عن الجريمة المعلوماتية ضمن أحكام المواد 16 إلى 21 منها، التي يتضح من خلال مطابقتها مع القواعد الإجرائية الواردة في قانون المسطرة الجنائية والمقررة لكافة الجرائم أن هذه الأخيرة تتسع لتشمل في تطبيقها الجريمة المعلوماتية مع ضرورة إدخال بعض التعديلات على أحكامها.
    وتتجلى أهم صور التطابق ولو بشكل نسبي من خلال مقتضيات المادتين 16 و 17 من اتفاقية بودابيست المتعلقة بسرعة التحفظ على بيانات الكومبيوتر المخزونة، والتي تدعو الدول الأطراف إلى ضرورة اتخاذ ما يلزم من تدابير لطلب التحفظ الإستعجالي على بيانات الكومبيوتر، وإلزام الشخص الوجودة بحوزته البيانات على حفظ سلامة بياناتها والكشف الجزائي لها مع الالتزام بالمحافظة على سريتها.
    فبالرجوع إلى أحكام قانون المسطرة الجنائية المغربي نجده قد ألزم في المادة 57 ضباط الشرطة القضائية، بالانتقال في الحال إلى مكان ارتكاب الجريمة وإجراء المعاينات المفيدة والحفاظ على الأدلة القابلة للاندثار، وعلى ما يمكن أن يساعد على إظهار الحقيقة وحجز الأدوات التي استعملت في ارتكاب الجريمة أو التي كانت معدة لارتكابها، وكذا جميع ما قد يكون ناتجا عن هذه الجريمة بغض النظر عن طبيعة هذه الأخيرة، مع إلزام كل شخص ساهم في الإجراءات أثناء البحث أو التحقيق بالحفاظ على السرية تحت طائلة العقوبات المقررة في مجموعة القانون الجنائي.
    وبخصوص مقتضيات الفصل 19 من اتفاقية بودابيست المرتبطة بتفتيش ومصادرة بيانات الكومبيوتر المخزنة ، التي أوصت على ضرورة تأمين عملية التفتيش والدخول على أي نظام كومبيوتر أو جزء منه موجود في مكان آخر بإقليم الدولة، زيادة على منح السلطات المختصة صلاحية الضبط والتأمين للبيانات وأخـذ نسخة منها والاحتفاظ بها أو جعلها غير قابلة للدخول عليها أو حذفها من النظام. فإننا نجد ما يطابقها ضمن مقتضيات المادتين 59 و 60 من قانون المسطرة الجنائية، إذ نصت المادة 60 من قانون المسطرة الجنائية على مقتضيات عامة تنظم التفتيش كإجراء تخضع له كافة الجرائم بغض النظر عن طبيعتها بما فيها الجريمة المعلوماتية في حين منحت المادة 59 من نفس القانون لسلطات البحث والتحري صلاحية حجز الأوراق والوثائق أو أشياء أخرى في حوزة الأشخاص أو المستندات والأشياء المتعلقة بالأفعال الإجرامية، رغم أن بعض التشريعات المقارنة ذهبت صراحة إلى التنصيص على حجز البيانات المخزنة في أنظمة الكمبيوتـر كالتشريع الفرنسي والبلجيكي.
    غير أنه إلى جانب حالات التطابق ولو بشكل نسبي وفق ما هو مشار إليه في القانون الوطني، خاصة ما يرتبط بأحكام المادة 18 من الاتفاقية الخاصة بمنح السلطات المختصة صلاحية إصدار الأوامر إلى الأشخاص لتقديم البيانات الموجودة على الكومبيوتر الذي بحوزتهم أو تحت سيطرتهم، كما يظهر أيضا عدم التطابق على مستوى مقتضيات المادتين 20 و 21 من الاتفاقية المتعلقتين على التوالي بصلاحية السلطات المختصة في التجميع الفوري لبيانات الكومبيوتر من خلال جمع أو تسجيل أو إجبار مقدم الخدمة في نطاق قدرته الفنية على جمع أو تسجيل البيانات المرتبطة باتصالات معينة (المادة 20)، وصلاحية الاعتراض على محتوى البيانات المذكورة (المادة 21)، إذ يتضح من خلال الرجوع إلى أحكام قانون المسطرة الجنائية المغربي أنها لم تنظم التجميع والاعتراض على البيانات، بل الأبعد من ذلك ذهب المشرع المغربي إلى تجريم كل اعتراض للبيانات ضمن أحكام الفصلين 232 و 448 من مجموعة القانون الجنائي.
    المطلب الثاني : مظـاهـر قصـور تقنيات البحث والتحقيـق المعتمدة في مواجهة الجرائـم الإلكترونيـــة
    لما كانت الجرائم الإلكترونية تتسم بحداثة أساليب ارتكابها وسرعة تنفيذها وسهولة إخفاء معالمها ودقة وسرعة محو آثارها، فقد ظهرت نتيجة عنها جملة من الصعوبات والإشكالات العملية التي تعرقل وتقف كحجر عائق أمام أجهزة العدالة في مواجهتهم لهذه الطائفة من الجرائم، و لاسيما أجهزة البحث و التحري، والتي تعمل من أجل استيفاء الدليل الإلكتروني، إذ أصبحت هذه الأخيرة تواجه مشاكل وصعوبات إجرائية أثناء مباشرة مهامها للكشف عن هذا النوع من الجرائم وملاحقة مرتكبيها وتقديمهم للعدالة.
    أمام هذا الوضع ثـار النقاش حول ما إذا كان بالإمكان الاكتفاء بالقواعد الإجرائية العادية للبحث عن الجريمة الإلكترونية، أم أن الأمر يتطلب وضع قواعد إجرائية خاصة بها تنسجم مع خصوصيتها وطبيعتها، حيث أشار بعض المهتمين إلى أن القواعد الإجرائية المتعلقة بالبحث و التحري عن الجرائم في شكلها التقليدي هي قواعد لا تخص جريمة معينة دون أخرى، بل هي قواعد عامة يمكنها أن تنطبق على كافة الأفعال المخالفة للقانون الجنائي بما فيها الجريمة الإلكترونية والتي تبقى و تظل وإن اختلفت عن غيرها من الجرائم سواء من حيث طبيعتها أو خصائصها، خاضعة من حيث المبدأ للقواعد العامة التي تسري على جميع الجرائم، كما أن البحث في الجرائم الإلكترونية يأخذ بجميع عناصر البحث و يمر بذات المراحل الفنية والشكلية المتبعة في الجرائم التقليدية لاحتمال ارتباطها بمختلف أنواع الجرائم الأخرى، و بالتالي فبوسع أجهزة العدالة أن تستعمل القواعد الإجرائية القائمة في تعاملها مع الجرائم الإلكترونية، فهذه القواعد القائمة لم تغيرها أو لم تؤثر فيها الجرائم الإلكترونية، فقط ينبغي تطوير بعض المفاهيم وتناولها بطريقة قانونية.
    كما سار البعض الآخر في نفس السياق واعتبر بأن القوانين الإجرائية الحالية تتضمن مجموعة من المقتضيات العامة التي يمكن أن تسري أو تنسحب على الجريمة الإلكترونية، إنما تحتاج فقط إلى بعض التعديلات لتضفي على إجراءات البحث و التحري في هذا النوع من الجرائم نوعا من الخصوصية تلاءم طبيعة هذه الجريمة التي تتميز بخصوصية و ذاتية متميزة عن باقي الجرائم.
    وبالرجوع لمقتضيات قانون المسطرة الجنائية نجده خاليا من كل المقتضيات التي تسعفنا في البحث والتحري فيما يتعلق بالجرائم التي تقترف في البيئة الإلكترونية، وهكذا يجوز لنا التسـاءل عن مدى شرعيــة التوسّـل بالقواعد الإجرائيـة التقليديـة في عمليـة البحـث والتحـري في الجرائـم الإلكترونيـة؟
    إن أول ما يلاحظ علـى التشريع الإجرائي الجاري به العمل هو أن المشرع المغربي أوكل للشرطة القضائية مهمة البحث والتحري في الجرائم وفق المقتضيات العادية، إلا أن تلك المقتضيات لا تفي بالغرض المطلوب متى تعلق الأمر بالجرائم المعلوماتية، والعلة في ذلك أن البحث في تلك الجرائم يتطلب مجمعة من المهارات والأساليب التقنية والفنية التي لا يتمتع بها ضباط الشرطة القضائية في ظل المنظومة التشريعة الحالية، فهل يمكن القول في ظل هذه الوضعية أن هناك فراغ تشريعي على مستوى وسائل وتقنيات البحث في الجرائم المعلوماتية بالمغرب ؟
    إن الحديث عن الفراغ التشريعي يقتضي بالضرورة التفصيل في مجموعة من الإجراءات التي يتعين على المشرع تنظيمها بالشكل الدقيق الذي يمكن الأجهزة المكلفة بالبحث والتحري عن الجرائم من القيام بمهامها، ويمكن النظر في تلك الآليات القانونية المطلوبة من وجهات نظر متعددة وعلى رأسهـا :
    - ضرورة إعادة النظر في مجموعة من المفاهيم التي تؤطر عمل الشرطة القضائية والنيابة العامة إن اقتضى الحال، ومن تلك المفاهيم حالة التلبس.
    - ضرورة إعادة تنظيم بعض الإجراءات بما يتلاءم وطبيعة البحث والتحري في الجرائم الإلكترونية .
    - ضرورة وضع طرق وكيفية حفظ الأدلة وطرق عرضها على المحكمة.
    - ضرورة إعادة النظر في الصفة الضبطية لرجال الشرطة القضائية ذاتهم فيما يتعلق في البحث عن الجريمة المعلوماتية.
    - ضرورة تطوير التعاون الدولي، بما يتلاءم وتطور الجريمة المعلوماتية.
    - ضرورة وضع قاعدة بيانات محصنة بشأن صور الجرائم المعلوماتية بغرض تطوير الترسانة الجهوية والمحلية من أجل توضيح الرؤى فيما يتعلق بآفاق رفع التحدي الذي تطرح الجرائم المقترفة في البيئة المعلوماتية.
    هكـذا يمكن القول أن شرعية الإجراءات تقتضي أن تكون إجراءات البحث عن الأدلة وجمعها موافقة ومحددة وفق القانون ولا تخرج عن روح نصوصه، وبالتالي فإن التوسع في مباشرة إجراءات أو في تفسير هذه الإجراءات المقررة فإنه يهدد حقوق وحريات الأفراد، لذلك فإن النصوص الخاصة ببعض الإجراءات بمفهومها التقليدي لا ينبغي إعمالها بشأن الجريمة الإلكترونية مباشرة، باعتبار أن هذه النصوص تمثل قيدا على الحرية الفردية، ومن ثم يصبح القياس على الأشياء المادية محظورا لمنافاته الشرعية الإجرائية.

    هذا النص هو مثال لنص يمكن أن يستبدل في نفس المساحة، لقد تم توليد هذا النص من مولد النص العربى، حيث يمكنك أن تولد مثل هذا النص أو العديد من النصوص الأخرى إضافة إلى زيادة عدد الحروف التى يولدها التطبيق

    الكاتب : yassirrrr

    Aucun commentaire:

    Enregistrer un commentaire

    جميع الحقوق محفوظة ل MarocDroit Avocat
    تصميم : Abdo Hegazy